استطلاع: مروة رسلان
تصوير:شيماء بحر
بعد أن كانت "بحيرة قارون" شاطئ استجمام للملوك والزعماء وكبار الشخصيات، حيث كان الملك فاروق يقضي معظم وقته داخل البحيرة في منطقة اللسان، ويمارس رياضة صيد البط.. أصبح منذ عام 1989 بإمكانك أنت أيضا أن تفعل أن تستجم على شواطئ البحيرة بعد أن تم إعلانها محمية طبيعية، لاحتوائها على مجموعات متنوعة من النباتات الطبيعية النادرة، والكثير من الكائنات البحرية من الأسماك المتنوعة كأسماك الموسى، والبلطي الأخضر، والبوري، والطوبار، والقزازي، والجمبري الأبيض، كما تتميز البحيرة بأنها واحدة من أهم استراحات طائر "الفلامنجو" المهاجر والذي يزور البحيرة بالآلاف، إضافة إلى الرواسب الحفرية البحرية والنهرية والقارية، والتي يرجع عمرها إلى حوالي 40 مليون سنة مضت، أهم تلك الحفريات حيوان الفيوم الضخم الذي يشبه "الخرتيت"، وبعض أسلاف الحيوانات الحالية كـ "الأفيال، فرس النهر، الدلافين، أسماك القرش"، وبعض أسلاف الطيور التي عاشت في أفريقيا، كما نجد أيضا حفريات أقدم قرد في العالم "ايجيبتوبثكس"، والذي يرجع عمره إلى عصر الأوليجوسين، وبعض الأشجار المتحجرة.
لا علاقة لقارون بالبحيرة!
في البداية يحدثنا الدكتور أحمد عطا دربالة مدرس الآثار اليونانية والرومانية كلية الآداب جامعة المنيا عن تاريخ البحيرة وسر ارتباط اسم قارون بها فيؤكد أن بحيرة قارون تعد أحد أقدمالبحيرات الطبيعية في العالم، وهي جزء من التاريخى الثقافي والحضاري للمنطقة، فهى الباقية من بحيرة موريس"Moeris"، الذي هو تحريف يوناني للاسم الفرعوني "مِر- وِر"، أي البحيرة الكبيرة، فقد كانت تغطي مساحة مدينة الفيوم حاليا، وكان لها عدة أسماء منها البحيرة النقية، وبحيرة أوزيريس، وقد اشتهرت تلك البحيرة بذلك الاعتقاد الذي يقول إن بحيرة قارون هي الأرض التي خسف الله فيها قارون، ولكن البعض كذب تلك الرواية، وقال إن الرواية الحقيقية تقول إنها كانت تسمى باسم (بارون) في عصر الفراعنة، وبسبب تشابه الأسماء تم تسميتها بقارون في العصر الحديث.. ما يعني أن تلك البحيرة ليس لها علاقة بـ "قارون" الذي ورد ذكره في القرآن الكريم من قريب أو من بعيد.
وأضاف دربالة: اسمها الحالي بحيرة "قارون" جاء من كثرة الخلجان والبروز، والتي يطلق عليها أهل الفيوم اسم "قرن"، مثل قرن أبو نعمة، وقرن المحاطب، وقرن الجزيرة، وجزيرة القرن الذهبي، ولذلك سماها الأهالي "بحيرة القرون"، ثم حرفت خلال العصر الإسلامي إلى بحيرة قارون.
نشأت مع حكم القدماء المصريين
ومن جهته يؤكد الدكتورعمرو هيبة المتخصص في شؤون بحيرة قارون، أن بحيرة قارون ظلت مستخدمة منذ حكم القدماء المصريين، حيث اهتمت بها الأسرات الحاكمة وعملت على الاعتناء بها وتطهيرها، ولذلك أمر الفرعون أمنمحات الثالث منذ أكثر من ثمانية وثلاثين قرنا مضت، وتحديدا في عهد الأسرة الثانية عشر ببناء قناة تصل نهر النيل بمنخفض يقع شمال غرب مدينة بني سويف، ثم أقام على النهر سدين، لتخزين مياه النيل فيها طيلة أشهر الفيضان، لتشكل فيما بعد أحد أكبر البحيرات الطبيعية في مصر، وطبقا لما ذكره هيرودوت أن تلك البحيرة تخزن المياه ستة أشهر وتمد الأراضي بالمياه ستة أشهر.. مما أدى إلى ازدهار الزراعة في الفيوم آنذاك بسبب تلك البحيرة.
واستطرد أن مراحل التطور "الفيزوغرافي" كشف لنا أن بحيرة قارون التي تقع في مدينة الفيوم في الشمال الغربي من مدينة بني سويف وتبعد بنحو 50 كيلو مترا غرب نهر النيل، هي بحيرة موريس القديمة التي وصفها هيرودوت بأنها بحيرة يبلغ طول محيطها 734 كم وعمقها أقل من 100 متر وكانت تتدفق إليها مياه النيل ستة أشهر كل عام وفي بقية شهور السنة كانت تتدفق مياها صوب النيل، وتبلغ مساحتها حاليا330 كيلو متر مربع حاليا بعد تعرضها للتقلص
بسبب الجفاف في مصر. وأشار هيبة إلى أن بحيرة قارون والتي تشغل الطرف الشمالي الغربي لمنخفض الفيوم، وتقع بين خطي عرض(24 29) و(31 29) شمالا وخطي طول(20 30) يبلغ أقصي طول لها 45 كم بينما أقصي عرض لها حوالي 11 كم وتتراوح نسبة الملوحة من 00.032 إلى 00.035 جم لتر.
أول متحف للكاريكاتير بالشرق الأوسط
ويوضح الدكتور دربالة أن مدينة الفيوم التي تحتضن البحيرة الشهيرة تشتهر في مجال الفن التشكيلي باللوحات التراثية المعروفة باسم «وجوه الفيوم»، وهي مجموعة من اللوحات الفنية الواقعية، رسمت إبان فترة الوجود الروماني في مصر. واستخدم فيها الفنانون الرسم والطلاء على مسطحات خشبية بشكل كلاسيكي، ما جعلها من أجمل الرسومات في فن الرسم الكلاسيكي العالمي.
مشيرا إلى أن بحيرة الفيوم تعد أول متحف للكاريكاتير بالشرق الأوسط، يقع بقرية تونس المطلة على ضفاف بحيرة قارون، وقد أنشأه الفنان محمد عبلة داخل متحفه بالقرية بمبادرة فردية عام 2009. ويضم 500 عمل أصلى ومجموعة كبيرة من المجلات النادرة تحكي تاريخ ومراحل الصحافة وفن الكاريكاتير في مصر، ويعد من أهم المزارات الثقافية بالمحافظة.
مزار سياحي كبير
وتحدث الدكتورعمرو هيبة عن إمكانات بحيرة قارون السياحية فذكر أنه يمكن استغلال بحيرة قارون سياحيا واقتصاديا بشروط بيئية محدده، فالساحل الشمالي الغربي للبحيرة يحتوي علي حفريات ثديية مهمة يصل عمرها إلى 35 مليون سنة، والتي ظهرت فيها حفريات أقدم قرد في العالم الذي يوضح العلاقة في حركة تطور الأجناس وحيوان "الأرسينوثيريوم"، أي حيوان الفيوم الضخم أو القديم الذي يشبه "الخرتيت" في الشكل ويختلف عنه في وجود أربعة قرون ممتدة من الجمجمة وليس قرنين من الطبقة الجلدية، وبعض الأشجار المتحجرة.
إضافة إلى منطقة "بطن البقرة" وتقع في منتصف الساحل وهي عبارة عن ساحل رملي مستٍومساحته36كم،والمستنقعاتالمائية في منطقة شرق وغرب البحيرة، وجزيرة "القرن الذهبي" التي تقع في منتصف البحيرة ومساحتها 2.2 كم، إضافة إلى بعض التكوينات الجيولوجية المهمة علميا وتاريخيا في شمال شرق البحيرة وكذلك بعض المستنقعات المائية التي تحتوي على مجموعات نباتية متنوعة تتوافد إليها كثير من الطيور المهاجرة والمقيمة في فصل الشتاء.
وأوضح أن هذه الرواسب الشاطئية ترجع إلى العصور التي كان سطح البحيرة يغمر فيها مساحة شاسعة من منخفض الفيوم وقد ظهر هذا الساحل نتيجة لانحسار مياه البحيرة عنه في العصور التاريخية ويختلف اتساعه من جهة لأخرى، حيث يبلغ أقصي اتساع على طول المنطقة الواقعة بين مصرفي "البطس" و"الوادي" حيث يبلغ نحو 12 كم ويبلغ أقل اتساع له ما لا يزيدعلى كيلومترين في الغرب جنوب "بطنه حافظ".
مشروعات سياحية عملاقة
يذكر أن هناك عددا من المشروعات السياحية والخدمية الكبيرة يجري تنفيذها حول بحيرة قارون، حيث تقدمت 60 شركة عالمية متخصصة في الاستثمار السياحي بخطط لتنمية الساحل الشمالي لبحيرة قارون بمحافظة الفيوم بتكلفة استثمارية تبلغ 20 مليار جنيه، وسوف تضيف تلك المشاريع نحو 8 آلاف غرفة فندقية جديدة إلى الطاقة الفندقية الحالية في مصر.. إضافة إلى أن بعض تلك المشاريع سيكون صناعيا إذ سيتم إنشاء مشروع لاستخراج الأملاح من البحيرة باستثمارات تبلغ 5 مليارات جنيه.
كل الحقوق محفوظة لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة © 1446-2025