تنبيهات

صناعة النشر في الهند .. الأكثر تطورا ً ونموا ً عالميا ً !

صناعة النشر في الهند .. الأكثر تطورا ً ونموا ً عالميا ً !

بقلم: صالح سليمان


لعلنا نذكر في البداية أن جمهورية الهند الصديقة حلت عام 1432 هـ ضيف شرف على معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث عقدت ندوتان، الأولى بعنوان «ملامح من الثقافة الهندية» والثانية «الإسهام الهندي في الفنون والفكر والثقافة الإسلامية»،والحقيقة أن هذا التكريم لدولة الهند في معرض الرياض جاء امتدادا للاهتمام العالمي بالثقافة الهندية وصناعة النشر الهندية الأكثر نموا في السنوات الأخيرة ففي مارس 2007 وخلال انعقاد دورة معرض باريس الدولي للكتاب حظيت الهند بتكريم رفيع وسط احتفالات فلكلورية وندوات ومحاضرات متتالية،وذلك اعترافاً من المنظمين بتراثها الثقافي والأدبي الغزير وحضارتها الغنية ودورها في صناعة الكتاب وترويجه، وقبلها بعام واحد حظيت الثقافة الهندية والكتاب الهندي بتكريم مماثل في معرض برلين للكتاب، عندما اختيرت كضيفة شرف من بين 110 دول مشاركة، لتصبح البلد الوحيد، الذي نال هذا الشرف مرتين (المرة الأولى كانت في عام 1986) منذ البدء في إقامة هذا المعرض قبل 59 عاماً. (1)

الكتاب الهندي أكثر نموا

لم يكن هذا الاحتفاء إذن بالكتاب الهندي والثقافة الهندية غريباً بالنسبة لبلد يطرح ناشروه (12 ألف ناشر ) في سوق الكتاب كل عام ما معدله 200 ألف عنوان في مختلف حقول العلم والمعرفة وبشتى اللغات الأربع والعشرين الرسمية في شبه القارة الهندية، ومن ضمنها بالطبع اللغة الإنجليزية، وما زالت صناعة النشر تتمتع بإمكانيات كبيرة للنمو.

وإذا كان المطروح من هذه العناوين باللغة الإنجليزية قليلاً بالنسب المئوية ولا يتجاوز معدله السنوي 15 في المئة، فإنه بالرقم المطلق كبير، ويصل إلى نحو 30 ألف عنوان، أي ما يفوق بثلاثة أضعاف العدد الكلي لنتاج العالم العربي السنوي من العناوين والذي معدله 8 آلاف عنوان كل عام، وبنسبة تقل عن 1% من إنتاج العالم.(2)

ورغم أن نسبة صغيرة نسبياً من سكان الهند البالغ عددهم 1.1مليار شخص يمكنهم قراءة اللغة الإنجليزية فإن البلاد ما زالت ثالث أكبر سوق للكتب التي تصدر باللغة الإنجليزية في العالم بعد الولايات المتحدة وبريطانيا. وأدت العولمة وازدهار تكنولوجيا المعلومات وتجارة الخدمات في الهند إلى تحويل الإنجليزية إلى لغة مهمة بالنسبة للشباب والمتعلمين. ويقدم نمو الطبقة المتوسطة في الهند فرصاً كبيرة ويقدر عدد هواة القراءة في جنوب شرق آسيا بستمائة مليون شخص وهو أكبر عدد من القراء يجري استغلالهم تماماً من قبل الناشرين الدوليين. (3)

لقد تم بيع 13 مليون نسخة كتاب تشتمل على أكثر من 286 ألف عنوان كتاب. بقيمة 3.28 مليار روبية هندية في عام 2011،وشهد السوق الهندي في هذا العام أكبر نمو له في مجال الأعمال القصصية للكبار، فقد ازداد عدد النسخ الصادرة بنسبة 82 بالمائة ومن ناحية القيمة المالية نحو 50 بالمائة.

وشهدت الأعمال القصصية نموا بنسبة 50 بالمائة من حيث القيمة المالية في النصف الأول من العام، لكنها واجهت منافسا آخر الا وهو الكتب غير القصصية التي شهدت زيادة بنسبة 36 بالمائة من حيث القيمة المالية و 41 بالمائة من حيث عدد النسخ التي تم بيعها وفي مجال كتب الأطفال والأحداث وقسم الكتب التعليمية، شهدت السوق الهندية انتعاشا ونمواً بنسبة 27 بالمائة من حيث النسخ و38 بالمائة من حيث القيمة المالية.

وتشهد الهند منذ ثلاثة أعوام تقريبا نشاطا على صعيد الناشرين الأجانب،فقد باشرت دور نشر سيمون اند شوستر ولونلي بلنت واتكين الكسندر ومهرجان «هي» الأدبي نشاطاتها في الهند وتشكل أحد أسباب انتعاش سوق الكتاب هناك. فيما يحظى أقدم ناشر خارجي في الهند بماضي يمتد لـ25 عاما، كما بدأت دار نشر هجت نشاطها في الهند عام 2009 وهي ثاني دار نشر أجنبية تليها دور نشر مثل هاربر كالينز ومك ميلان ورندوم هاوس. وأسست دار نشر «امازون» موقعا إلكترونيا لبيع الكتب في الهند اعتبارا من فبراير 2011.(4)

الهنود قراء بطبعهم

الهنود عندهم شغف غريب بقراءة كل ما تطاله أيديهم خاصة المتعلمين منهم وذلك كجزء من عادة متوارثة، ولم تستطع كل المؤثرات والتحولات حتى الآن أن تصرفهم عنها.وفي قصة رئيسهم السابق عالم الصواريخ، والذرة أبو بكر زين العابدين عبد الكلام خير مثال. حيث تروي سيرته الذاتية أنه قضى طفولته وصباه يبيع الصحف على أرصفة الشوارع من أجل أن يوفر بعض النقود للإنفاق على شراء الكتب المستعملة، بل كان يقضي كل أوقات فراغه في حانوت للكتب في قريته، محاولاً قراءة أكبر عدد من المؤلفات في شتى مجالات المعرفة (5) وتشير المؤشرات إلى أن الهنود أكثر شعوب العالم قراءة، حيث أكد استطلاع أجرته صحيفة «كريستين ساينس موينتور» الأمريكية أن الهنود يقرؤون بمعدل 10،42 دقيقة في الأسبوع(6) ولهذا فإن الهند تفتخر وخلافاً للسائد في دول الغرب الرائدة في صناعة الكتاب ونشره، التي تلجأ أولاً إلى طرح طبعات فاخرة لمؤلفات مبدعيها في الأسواق، ولا تطرح الطبعات الشعبية رخيصة الثمن إلا بعد مضي بعض الوقت، تفتخر الهند بأنها دأبت على فعل معاكس منذ عام 1946،فتبدأ بطرح طبعات شعبية من الكتب وذلك بهدف إيصال المؤلف فور ظهوره إلى أوسع قطاع من القراء.

الكتاب في كل مكان وبأرخص الأثمان

ويلاحظ الزائر لمدينة بومباي أن الملايين من الطلبة والموظفين تزدحم بهم أرصفة وأكشاك بيع الكتب الممتدة لعدة كيلومترات في قلب المدينة، حيث يجد المرء كل ما يخطر أو لا يخطر على البال من المؤلفات المستعملة والجديدة بأسعار تقل عن أسعارها الأصلية بنسب تتراوح ما بين 20-60 في المئة، علماً بأن بومباي تتفوق عليها مدينة كلكتا سواء من حيث عدد دور النشر أو أسواق الكتب أو جمهور القراء.ونظرا لرخص ثمن الكتاب المطبوع في الهند أصبح الطلاب الهنود الذين يرسون في الغرب والولايات المتحدة يشترون كتب الدراسة والمراجع العلمية من بلدهم الهند كوسيلة للتوفير،ففي السنوات القليلة الماضية، صار العديد من الطلاب الأميركيين يوفرون نفقات الدراسة عبر شراء المراجع المنشورة في الولايات المتحدة بنصف الثمن أو أكثر، من مكتبات في أوروبا. لكن العديد منهم، بدأ في الآونة الأخيرة، بشراء المراجع العلمية الأميركية المطبوعة في الهند، مع انتشار المعلومات بوجود تخفيضات كبيرة هناك، طبقا لما ذكره ناشرون ومسؤولو مكتبات (7)

إنهم يصدرون الكتب للغرب!

ومما يدلل على قوة صناعة النشر في الهند أن معظم الصادرات الهندية من الكتب تتجه نحو دول العالم الأول. ولعل هذا، معطوفاً على أجواء الانفتاح الاقتصادي في البلاد، وتفوق الهند في صناعة البرمجيات والمعلوماتية، هو ما حفز دور نشر عالمية رائدة مثل «ماكميلان» و»بنجوين» و»جون ويلي» و»طومسون» و»سبرينغر» إلى دخول صناعة الكتاب في الهند واتخاذ الأخيرة كمركز لأنشطة ما قبل الطباعة وبلغت حصيلة صادرات الكتب الهندية عام 2007 أكثر من 4.5 بليون روبية، مقارنة بنحو 330 مليون روبية فقط في عام 1991. ويتوقع أن تصل قيمة الصادرات من الكتب المطبوعة في الهند إلى مئة مليون دولار سنوياً وهناك طلب متزايد بشكل خاص على الكتب المدرسية معتدلة الأسعار في الهند في الدول النامية.

وفي الغرب ما زالت الكتب القادمة من الهند تتمتع بشعبية لا سيما بالنسبة لتلك الكتب التي تجسد ثقافة البلاد الثرية والمتنوعة مثل مجلدات حول القيم الروحية وأسلوب الطبخ.

وبحسب (أندير بريدت) من شركة (Nielsen) للمعلومات فإن سوق الكتب في الهند يمكن تقسيمها إلى قسمين: المنظم، وما يمكن تسميته بـ (غير المنظم)، وفي الحقيقة فإن القطاع غير المنظم هو الأكثر نمو ًا. وبين متاجر الكتب المختلفة في الهند، يعد (FlipKart) من المتاجر الإلكترونية الناجحة، والتي تقدم نظام ً ا غير مسبوق في البيع، حيث يكون الطلب عبر الإنترنت، أما الدفع فيكون نقدًا. وأمازون ليست مسيطرة على السوق في الهند بأي حال من الأحوال.”(8)

رقمنة المكتبات الهندية العامة

وفي محاولة لإنشاء نظام مكتبة متطور، تعمد وزارة الثقافية الهندية إلى رقمنة مواد المكتبات العامة حتى يتسنى للجميع الوصول إليها بسهولة. وستسهم المكتبات الرقمية في تعزيز عادات القراءة بين جموع الشعب بالإضافة إلى تسهيل عملية إجراء البحوث على جيل التكنولوجيا.

وقد أطلق الرئيس الهندي/ براناب مخرجي مشروع “البعثة الوطنية للمكتبات” في الثالث من فبراير 2014لتحقيق الاستفادة القصوى من موارد المكتبات.

وسيتم تحويل 6 مكتبات تابعة لوزارة الثقافة و35 مكتبة مركزية موزعة في جميع أنحاء الولايات و35 مكتبة إقليمية إلى مكتبات نموذجية، مع التركيز على المناطق المتخلفة اقتصاديًا.

وعلاوة على ذلك، سيتم تزويد 629 مكتبة إقليمية في جميع أنحاء الولايات الهندية بخدمة الاتصال بالإنترنت لإتاحة الكتب والموارد المكتبية للجميع بطريقة أكثر سهولة من خلال تحويل النسخ المطبوعة من الموارد إلى نسخ إلكترونية.

قد تصل تكلفة مشروع “البعثة الوطنية للمكتبات” الرامي إلى تجديد طريقة استخدام مواطني الهند للمكتبات العامة إلى 400 كرور روبية (4 مليار روبية) خلال الخطة الثانية عشر للأعوام من 2012 إلى 2017 والتي تم اعتماد مركزها بالفعل في نوفمبر 2013.(9)


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جريدة الاتحاد الإماراتية 01 أبريل 2007

(2) المصدر السابق

(3) جريدة الرياض 1427/10/2

(4) وكالة أنباء الكتاب الإيرانية 2/26/ 2012

(5) جريدة الاتحاد الإماراتية 01 أبريل 2007

(6) صحيفة صدى البلد المصرية 2014/3/5

(7) جريدة الشرق الأوسط 1427/3/1

(8) المكتبة الرقمية السعودية

(9) المصدر السابق