حاورها: عبدالله السمطي
تخوض الشاعرة التونسية زينب هداجي تجربة إنسانية في غربتها بدولة جيبوتي العربية الإفريقية، لأكثر من خمس سنوات، وهي مع هذه التجربة لم تفقد بريق الكتابة الشعرية، حيث تستعد لطبع ديوانها الأول خلال الأشهر المقبلة.
زينب هداجي ترى أن الشعب الجيبوتي شعب طيب منفتح على الخارج، لكن جيبوتي مازالت مجهولة للعالم العربي، وهي في جولاتها الدائمة فيه تصور العادات والتقاليد والطبيعة، وترى أنه للأسف مازال الكثير من العرب يحلمون بالهجرة إلى بلدان الشمال التي قد لا تكون فعلا مكانا يطيب فيه العيش نظرا لما يشهده العالم اليوم من تغيرات. في حين أن افريقيا، هذه القارة الفتية والغنية بالموارد، يمكن أن توفر فرصا جيدة لمن أراد الاستقرار بها.
عن تجربتها في السفر الإفريقي ، وأثر الغربة على شعرها وقصصها القصيرة كان هذا الحوار .
ماذا تشكل لك الهجرة أو الاغتراب في جيبوتي؟
عندما قدمت إلى جيبوتي سنة ٢٠١٩ ، كان هدفي هو البحث عن أفق أوسع وأطول لمسيرتي المهنية. كان قرارا غير سهل. حيث تركت أهلي واصدقائي في تونس وكل ما حققته وهاجرت إلى بلد جديد لا أعرف شيئا عنه غير ما قرأته على الإنترنت. وهي معلومات في أغلبها نابعة عن أفكار مسبقة لا علاقة لها بالواقع. الآن، جيبوتي هي وطني الثاني الذي استقبلني بذراعين مفتوحين. لا أنكر أني واجهت عدة صعوبات خاصة على المستوى المهني، ولكن على المستوى الاجتماعي فلم أجد سوى الترحيب والمحبة. الشعب الجيبوتي شعب طيب ومنفتح على الخارج. هنا لا أشعر بالغربة كما يصفها غيري . أعيش كما يعيش أي مواطن جيبوتي. ربما لأني، على المستوى الذهني، عودت نفسي على تقبل هذا التغيير والمضي قدما.
*هل هي هجرة غربة أم اغتراب ؟
يمكنني أن أقول بأنه اغتراب أدى إلى غربة. في تونس أيضا كنت مضطرة لمغادرتي مدينتي الحامة في الجنوب التونسي والانتقال إلى الساحل ثم الى العاصمة للدراسة والعمل. وكنت دائما أحس بالاغتراب. السلوك العاصمي في تونس يختلف عن نظيره في الجنوب. لم يمنعني ذلك من تحقيق نجاحات مهنية مهمة، ولكني كنت دائما أشعر بأني في مكان مثقل بالتحديات. عندما اشتغلت في مجال الصحافة والاعلام، مثلا كنت مضطرة لعدم التكلم بلهجتي الجنوبية واستبدالها بلهجة العاصمة حتى لا أكون محل سخرية من الجمهور الذي ترسخت عنده فكرة ان الناس الذين يأتون من المناطق الداخلية أقل "تحضرا" وغيرها من العوائق الثقافية التي شكلت بالنسبة لي عوائق ودفعتني الى أن أغادر البلاد.
*هل هناك فارق بين الغربة الذاتية والغربة المكانية؟
بالنسبة لي الغربة الذاتية هي الأصعب. لأنها وضع نفسي وذهني لا نستطيع الهروب منه إلا بمواجهته والعمل على فهمه وتجاوزه. انا بالنسبة الى الغربة المكانية فقد فقدت الكثير من حدتها بسبب العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا. حيث يبقى المغترب في تواصل دائم مع عائلته ومطالع لأخبار بلده بكبسة زر.
*كيف رضيت بالهجرة إلى (نقيض الآخر) باعتبار أن جيبوتي ربما تكون نقيضا لأوروبا مثلا أو كندا؟
لا أستغرب أبدًا ان تسألني مثل هذا السؤال. فهو سؤال متواتر خاصة من قبل الأصدقاء العرب مع الكثير من الدهشة والاستغراب. ولعل أول منابع هذا الاستغراب هو أن جيبوتي، رغم أنه بلد عربي، فإنه بقي مجهولا من قبل أغلب العرب باستثناء اليمنيين الذين يشكلون موكن أساسي من مكونات الشعب الجيبوتي إلى جانب الصومال والعفر وغيرها من الأقليات العرقية. هذا بالإضافة إلى الأفكار المسبقة عن هذا البلد. فيما يتعلق بهجرتي إلى جيبوتي، فإن الأمر جاء بمحض الصدفة. حصلت على عقد عمل مدته لا تتجاوز الستة أشهر. فقررت خوض هذه المغامرة دون أن أفكر كثيرا. كما أن المصاعب التي عشتها في بلدي زادت من رغبتي في المغادرة إلى أي مكان باحثة عن راحة البال وعن حياة أفضل. الآن، لست نادمة أبدا على أني وثقت في احساسي. عندما وصلت مطار جيبوتي شعرت بالطمأنينة والارتياح. قد يكون هذا الكلام غير منطقي بالنسبة للكثيرين، ولكنه فعلا ما عشته. للأسف مازال الكثير من العرب يحلمون بالهجرة إلى بلدان الشمال التي قد لا تكون فعلا مكانا يطيب فيه العيش نظرا ما يشهده العالم اليوم من تغيرات. في حين أن افريقيا، هذه القارة الفتية والغنية بالموارد، يمكن أن توفر فرصا جيدة لمن أراد الاستقرار بها. على كل حال، يبقى هذا انطباعي الشخصي الناتج عن تجربتي ولا أفرضه على أحد.
*هل يؤثر المكان على طبيعة الأداء الإبداعي والكتابة الشعرية؟
أعتقد أن ذلك يعود إلى طبيعة المبدع وحساسيته. في تجربتي، كان ومازال لتونس النصيب الأكبر من النصوص الشعرية وخاصة فترة إقامتي في العاصمة. العاصمة المكتظة الصاخبة والمليئة بالتناقضات جعلتني أنتقل من القصة إلى الشعر. حيث كتبت قصائد قصيرة توثق لتاريخي النفسي والعاطفي. فصار الشعر وسيلتي "التقنية" لأفهم ما أعيشه.
* كيف ترين تونس عن بعد في بلد الغربة؟
هذا هو السؤال الأصعب بين أسئلة هذا الحوار. عندما كنت في تونس، كان لي صديق فنان تشكيلي عراقي مقيم هناك ويدرس في كلية الفنون الجميلة. كان يرفض أن يتحدث التونسيون عن شؤون العراق وما يحصل فيه خلال سهراتنا. وكان يقول:" حملت العراق في قلبي ورحلت وما في القلب لا يسقط. " يمكنني أن أستعير منه نفس العبارة لأصف علاقتي ببلدي. حيث صرت أعي فعلا ما كان يقصده.
كل الحقوق محفوظة لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة © 1446-2025