تنبيهات

مدير معهد المخطوطات العربية د: فيصل الحفيان: الاهتمام بالمخطوطات .. ليس انكفاءً على الماضي!

مدير معهد المخطوطات العربية د: فيصل الحفيان: الاهتمام بالمخطوطات .. ليس انكفاءً على الماضي!

القاهرة - محمد عويس


تنشغل بالتراث اليوم مؤسسات كثيرة وطنية وإقليمية ودولية، ومن هذه المؤسسات معهد المخطوطات العربية أحد الأجهزة التابعة للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «ألكسو» وهو جهاز عريق أُنشىء قبل 70عاماً فى إطار الجامعة العربية ثم أُلحق فى مطلع السبعينيات فى القرن الماضى بالمنظمة، وقد قام هذا المعهد بدور كبير فى خدمة التراث والتأسيس للعمل فيه، ولكن السنوات الأخيرة شهدت نقلة نوعية فى نشاطه فبعد أن كان يتوجه إلى المتخصصين والباحثين ويخاطب شريحة نخبوية أصبح يتوجه أيضاً إلى المثقف العام والشباب كما أن صلاته وعلاقاته بالمؤسسات العربية والأجنبية بدأت تأخذ شكل شراكات لافتة تشير إلى وعي جديد ونظرة جديدة إلى الآفاق الواسعة التي ينبغي أن يرتادها العمل فى التراث ومن أجله فى ظل العولمة الجديدة الكاسحة. في هذا الإطار التقت مجلة (أحوال المعرفة) د. فيصل الحفيان مدير معهد المخطوطات العربية والباحث المعروف في مجال التراث فى هذا الحوار:

سبعون عاما في خدمة التراث

يبدو أن المعهد مازال مجهولا رغم عمره المديد عند شريحة ليست بالقليلة في المجتمعات العربية، كيف ترون ذلك؟

المخطوط العربي جزء من تاريخنا ويمثل رمزا كبيرا لتراثنا العربي والإسلامي، الذي أعطى الكثير لمسيرة العلم والحضارة الإنسانية، ورسالة المعهد منذ تأسيسه عام 1946م وهو يتولى مهمة العناية بالمخطوطات وجمعها ويرسل لذلك البعثات لعدة أقطار ،ويسعى المعهد بجهوده وتعاونه مع المؤسسات المعنية إلى نفض الغبار عن هذه الأوعية المادية، وتعريف الناس بهذا التراث الهائل، الذي يتجاوز ثلاثة ملايين مخطوط أصلي بخط المؤلفين أنفسهم.

وأنشطة وجهود المعهد معلنة دائما في وسائل الإعلام ويتابعها المهتمون والمتخصصون بل نحن نعقد الكثير من الأنشطة هدفها دعوة غير المختصين إلى التعرف على عالم المخطوطات ودمجه في الثقافة المعاصرة وفتح خزائن التاريخ والاطلاع على نفائسها.

يوم المخطوط العربي

يوم المخطوط احتفالية ينظمها المعهد سنويا: ماهو الهدف منها؟

الهدف كما سبق القول هو دعوة غير المختصين إلى التعرف على عالم المخطوطات والعمل على دمج التراث في ثقافتنا المعاصرة، وليس ذلك انكفاءً على الماضي ولا انخراطاً في السجال العقيم بين القديم والجديد وإنما هو توسيع لآفاق العقل المعاصر بإطلاعه على إنجازات السابقين والحدود التي وقفوا عندها، فيضيف بذلك من فطنتهم إلى فطنته ويعتبر بتجاربهم ويتذوق فنونهم، ولئن كانت المعاصرة حجاباً يحجب المعاصرين عن رؤية أوهامهم وأخطائهم، فليس أفضل من تنمية ملكات النقد والاعتبار للتخفيف من ظلمة هذه الحجب.

كيف يتأتى لنا ذلك؟

يتحقق هذا من خلال: فتح خزائن التاريخ والاطلاع على نفائسها لأن المخطوطات هي أنفس ما في خزائن التاريخ بوصفها مستودعاً لآثار العقول التي طواها الزمان،ثم تحقيق الأمن الثقافي في مواجهة طوفان العولمة الجارف الذي يتهدد جميع الثقافات غير الغربية ذلك بأن أخطر ما يمكن أن تواجهه أمة هو الفصام الثقافي أو الاغتراب عن جذورها وأصولها. وهنالك هدف ثالث نخص به فئة الشباب وهو تعزيز الثقة في النفس على المستويين الفردي والجماعي.

إشكالية الفهرسة

فهرسة المخطوطات، أين هي من اهتمامات معهد المخطوطات؟

فهرسة المخطوطات من الإشكاليات التي يوليها المعهد اهتمامه وقد عقدنا لذلك منتدى في شهر مارس 2015 يتناول هذه الإشكاليات، وجهود دارة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية نموذجا.

المنتدى التراثي اختار هذا العام الأول «إشكاليات فهرسة المخطوطات»، كونها قضية محورية، تحتاج لدراسة وحلول، وستظل قضايا جزئية إذا لم تعالج في إطار نظرية عامة أو مركبة. فهناك إشكاليات علمية، يجب النظر إليها من خلال التعامل الميداني مع المخطوطات، والربط بين أصحاب القرار السياسي من جهة، وأصحاب المخطوطات من جهة أخرى.

مجلة المخطوطات

معهد المخطوطات العربية بدون مجلة ثقافية: لماذا؟

نحن بصدد إصدار مجلة ثقافية جديدة تحت عنوان «المخطوطات»، تُعنى بالتراث العربي المخطوط، وتسعى إلى أن تُقدم المعرفة التراثية بأسلوب سهل وسلس، يتلافى تعقيد الأكاديميين، ومستغلقات المتخصصين، في حلة عصرية جاذبة لعموم المثقفين.

وهي في ذلك لا تروم الانكفاء على الماضي ولا الانخراط في السجال العقيم بين القديم والحديث، وإنما تسعى إلى توسيع آفاق العقل المعاصر بالاطلاع على إنجازات السابقين، والاعتبار بتجاربهم، وتذوق فنونهم.

على أن جهود معظم المهتمين بالتراث ما انفكت تلاحق هدفين اثنين: أحدهما: الإحياء وما يرتبط به من تمجيد ودفاع. والثاني: إبراز إسهام العلماء المسلمين في العلم الحديث. أما إبراز خصوصية هذا التراث وبيان أوجه اختلافه مع الفكر المعاصر، فهذا أمر لم ينل ما يستحقه من عناية واهتمام، وإن كان السؤال الأوثق بالتفعيل والمعاصرة. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى إصدار مجلة ثقافية تلقي الضوء على مختلف أوجه التراث (الحكمية، المعرفية، الفنية، الخ) والتركيز على خصوصيته ومكامن الإبداع فيه؛ وذلك بهدف توسيع الآفاق الفكرية، وإثراء الثقافة المعاصرة، والتخفيف من قبضة العولمة. الرؤية: توفير منتوج ثقافي متميز يجمع بين لذة القراءة وجدة العلم (بعيداً عن التعقيد) وجمالية النشر.

دبلومة في المخطوطات

وما الجديد في رسالة المعهد التي هي خدمة التراث؟

سيتم استحداث دبلوم جديد في علوم المخطوط فى مطلع العام الجامعي المقبل 2015 / 2016م يتميز بالطابع التطبيقي، وبالتركيز على فنيات التراث المكتوب، وبانفتاحه على تكنولوجيا العصر. هذا المشروع في إطار رسالة المعهد التي هي خدمة التراث، عن طريق الارتقاء بوسائل حفظه، وأدوات توثيقه، والكوادر البشرية التي تعمل فيه مِن خلال إعداد متخصصين في مختلف الحقول المعرفية ذات الصلة بحقل المخطوطات.

وماذا عن محاور الدراسة؟

ستة محاور على النحو التالى: علم المخطوط العربي (الكوديكولوجيا). تحقيق النصوص. فهرسة المخطوطات. فنون المخطوط. ترميم المخطوطات. رقمنة المخطوطات. فضلا ً عن المواد التكميلية المساعدة على استيعاب هذه المواد.

المملكة واهتمامها بالمخطوطات

نود إلقاء الضوء على المخطوطات في المملكة العربية السعودية؟

هناك جهود كبيرة للغاية تُبذل فى المملكة تتصل بخدمة التراث العربى المخطوط وهى جهود قديمة، ولم تعد تقتصر على المؤسسات فقط فهناك أعلام كبار قاموا بخدمة التراث منهم الدكتور عبدالرحمن العثيمين الذى انتقل إلى رحمة الله تعالى مؤخراً، وكان له فضل كبير خاصة فى جمع المخطوطات من أنحاء العالم وذلك خلال ترؤسه لمركز المخطوطات فى جامعة أم القرى فى مكة المكرمة، أما المؤسسات فلا تكاد مؤسسة أو جامعة في المملكة إلا ولها مساهمة في خدمة التراث، ومثال ذلك دارة الملك عبدالعزيز التى طبعت كتاب «نوادر المخطوطات السعودية» بالتعاون مع المعهد وبتمويل من شركة أرامكو السعودية، وقد كان لى شرف كتابة مقدمته، وربما كان من أوائل الفهارس (عربياً على الأقل) التي تجمع بين لغتين (العربية والإنجليزية) ويُحقق غير غرض: كشف التراث العربي الإسلامي لأصحابه وتعريفهم عليه وكذلك لغير العرب والمسلمين عن طريق اللغة الإنجليزية، ويضم نماذج لمجموعة من نوادر المخطوطات القيّمة المحفوظة بمكتبة الدارة والتي خصصت للمخطوطات النوادر المنتقاة من مكتبات المملكة، وقد تم َّ بيان رقم كل مخطوطة من المخطوطات التي تم التعريف بها في الكتاب في مكتبة الدارة، وأثبت عنوانها وذكر اسم مؤلِّفها وتاريخ وفاته، وعدد أوراق المخطوطة واسم ناسخها ودونت ملحوظات علمية للمؤلِّفين في ختام الكلام على كل المخطوطات التي تم التعريف بها في الكتاب على حدة.

أول فهرسة عربية لمخطوطات

وماهى محتويات كتاب «نوادر المخطوطات السعودية» ؟

الكتاب يتضمن مخطوطات في التفسير، والفقه الحنبلي والشافعي والحنفي، والنحو، والحديث ومصطلحه، والعقيدة، والتاريخ، والتراجم، والفتاوى، والأدب، والمعارف العامة، والإجازات، والفرائض، وعلوم القرآن، والحساب والوعظ، والسيرة، والشعر، والتوحيد، والسياسة، والفقه المقارن، والتجويد، والجغرافية...الخ، وتقدم خدمات جليلة للمشتغلين بتحقيق كتب التراث العربي الإسلامي لتنوعها، ووضوح كتابتها، ويحق لدارة الملك عبدالعزيز أن تفخر حقاً بإصدار هذا السفر النفيس والذى يُعد حافظاً لبعض الإرث العلمي الذي قدمته الأجيال السعودية للثقافة والعلم والمعرفة في تاريخ الجزيرة العربية بصفة خاصة والمآثر المعرفية المدونة الإسلامية بصفة عامة».

أخيرا .. ماذا عن جهود المملكة في خدمة تراث القدس؟

هذه الجهود تظهر في جوانب علمية متنوعة، منها: جمع ُ مخطوطات القدس وتصويرُها، وجمع الكتب والمراجع الوثائق والسجلات واللَّوحات والرُّسوم المتعلقة بالقدس، وإقامة الندوات والمؤتمرات العلميَّة عن القضيَّة الفلسطينيَّة عموما، وقضيَّة القدس الشريف إقامة مراكزَ وَوحدَات عِلْمِيَّة ٍ بخاصة، وإعداد البحوث والدِّرَاسات عن فلسطين والقدس، وأخيرًا للعناية بتراث القدس، ومن هذه المؤسسات دارة الملك عبدالعزيز، ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.