تنبيهات

التشكيلي السعودي يوسف إبراهيم الفن مطلب إنساني وليس أمراً ثانويا ً !

التشكيلي السعودي يوسف إبراهيم الفن مطلب إنساني وليس أمراً ثانويا ً !

حاوره / راضي جودة 


قبـل سـنوات قليلـة لـم يكـن معروفـا علـى الأقـل بالنسـبة لـي، ولـم يكـن حضـوره علـى المشـهد التشـكيلي مباغتاً كمـا نرى، أو بين ليلة وضحاها، في الوقت الذي نسمع عن أسـماء ومعارض لمحاولات أظـن أن أصحابها كانوا متعجلين بعـض الشـيء في طـرح أنفسهم خاصـة في معارض خاصة ومنفردة، فمن حسـنات المشـاركات أن تقلـل مـن تركيـز عيـن الناقـد، بـل وربمـا تعاطـف مــع التجــارب الشــابة وتجــاوز عــن هناتها، لكــن الفنــان يوســف إبراهيـم ضيـف حوارنا هنـا (هندس) لنـا حضوره بحروفية مجنحة تنتمي للإبداع وحده، ولا تبوح بأسرارها إلا للشكل واللون، كمـا أنهـا لا ترتدي عباءة الحكمـة والوعظ، فقـط جنـس مـن أجناس الإبداع والتشكيل بالحرف العربي مع تمازج لونـي بديـع يغلب عليه لون حبات التمر في نضجها وحلاها البني والذهبي، وعليك أن تسـتكمل بقيـة الألـوان، ولكـن مـا الـذي حــدث فعلا.

والفنان يوسـف إبراهيـم فـاز بالعديد من الجوائز السـعودية والعربيـة وأقام الكثيـر من المعارض الفنية داخل المملكة وخارجها بلغت 285 معرضا، وحكم أكثر من مسـابقة فنية دولية وداخلية ومحلية، وأقام أكثر من 42 ورشـة عمـل بمختلف دول العالـم.، ولـه محاضـرات فـي أكثـر من ملتقـى ومهرجان .

تواصلـت مـع الفنان يوسـف إبراهيـم، هكذا بــدون مناســبة، وعبــر الهاتــف، واستكملنا الحديث بوسائل التواصل، فكانت الحصيلة هـذا الحـوار حـول الفـن.

في البدايات كانت الأندية الرياضية هـي حاضنة الفـن التشكيلي الأولى، في ظنك هل مازال الفن لم يكتمل النمو ويحتاج حضانات؟

في اعتقادي أن الفن التشكيلي السعودي علــى وجــه الخصــوص قــد تجــاوز مرحلــة الحضانــات إلــى حــد مــا، أو بالأحــرى بــدت هنـاك ومضات ومبشرات متسارعة تشـي بمستقبل قريب ومبهر .فقد ظهرت الجمعيات والجماعات على وضعها الخجول لكنها بدأت، ونلاحظ كذلك اهتمام بعض رجال الأعمال المهتمين بالفن والفنانين، وهذا داعم كبير مـن خـال اقتنـاءات واسـتثمارات فـي هـذا المجال بشـكل أو بآخـر، كذلك ألاحظ إقحام الفـن بطريقـة قويـة أحيانـاً وأحيانـاً بشـكل خجـول ضمن فعاليات غير فنية أصلا، كذلك بـدأ الإعـام يسـلط بعـض الضـوء الخافـت والمترجـرج أحيانـا علـى بعـض جوانب الفـن والســاحة التشــكيلية، وإن كانــت الســاحة تحتـاج مـن قبـل الإعـام لترسـيخ فكـرة أن الفن احتياج إنساني وليـس أمراً ثانوياً في حياتنــا ومجرد لون وفرشاة ولوحة تزيـن أركان مجالسنا فقــط، كل هــذه العوامــل وغيرهـا من انتشـار للصالات الفنية الجيدة، واهتمام الفنان ذاته بثقافته الفنية وتغذيته الروحية والبصرية والمعرفية وكذلك الجدل الحاصل والنقاشات والمساجلات أيضاً، أثرت كل هـذه العوامـل فـي بدايـة الخـروج مـن عبـاءة الحاضنـة القديمـة والواحـدة وهـي الأنديــة الرياضيــة والانطلاق بشــكل أكثـر تميـزاً وأكثـر بريقا وتألقا.

هــل تــرى أن بعــض لجـان التحكيــم ليســت منصفة بالقدر الــذي يرتــاح الفنــان لهــا، ويقبل لقرارتها ؟

لكل مسـابقة وكل فعالية ظروفها الخاصة وإمكاناتهـا وشـروطها ولجـان التحكيم في أحيان كثيرة ليست مستقلة بالكامل وليست حتــى أحيانــاً مســتقلة أو مســتقرة مزاجيــا أو فنيــا أو حتــى إداريــا. وهــذا هــو الفنــان المشـارك أيضـا . بالتالـي كيـف يرضـى غيـر مسـتقر مـن غيـر مسـتقر وغيـر مسـتقل من غيـر مسـتقل. لكننـي مـن واقـع خبـرة فـي هذا المجال واعتمادا على المعايير المتاحة في تحكيم المسـابقات أرى أن نسـبة الرضا مـن نتائـج الكثيـر مـن أعمـال التحكيـم هـي أكبر من عدم الرضا وأعتقد أن الرضا أو عدم الرضا هو أمر نسبي إلى حد كبير ولا يمكن قياسـه بشـكل دقيق لعدم وجود مؤشرات قيـاس واضحـة ودقيقـة في هـذا الجانب.

حدثنــي عــن اللوحــة الحلــم المخبــوءة فــي ذاكرتــك ولــم تبح لأدواتك أن تصنــع حضورها وتنجلي سريرتها.

حلمـت بزهـرة لا تجتنى وبنجمة لـم تطلع، البحث هو هاجسي الدائم وحلمي القديم هـو البحـث عـن كمـال عملـي الفنـي، وهذا البحـث فـي حد ذاته جمـال وإبحار في عالم الفكر والجمال والدهشة، وهذا الإبحار يأخذ منـي كلـي وبعضـي . يمتعنـي تارة وتارة يروعني . نعـم إبحـاري فـي عالـم الحـروف أخذنـي إلـى عوالـم لا متناهيـة مـن السـحر والموسـيقى الحزينـة أكاد أجـزم أحيانـاً أنهـا هذبت إنسانيتي وشذبت عوالق التشويش لدي . متعة الإبحار في عالم وأعماق الحروف وأسرارها متعة لا تضاهيها متعة والإحساس بعدم الكمال والنقص والصراع في محاولة الوصول إلى إحساس خرافي مختلط بشوق ولهفـة وترقب وانتظار ومحاولة. نعم متعة النقـص هـي في البحث عـن الكمال.

هــل لديــك فريــق عمــل يســاندون نجــاح مهرجــان الزهــور ؟ وبعــض أفــكارك خاصــة الكبيــرة منهــا ؟

مهرجان الحدائق والزهور هو مهرجان ضخم وصـل إلـى العالميـة وحقـق أرقاما قياسـية في أكثر من فعالية . وكانت فعالية الفنون التشـكيلية وهي إحدى فعاليات المهرجان قـد حققـت نجاحـات رائعـة فـي النسـختين الســابقة لهــا وذلــك بفضــل مــن اللــه ثــم بتكاتـف الجهـود ودعم المسـؤولين، وفريق العمل الذي عمل معي في فعالية الفنون فـي النسـخة الأولـى والثانيـة مكـون مـن خمسـة شباب وشـابة واحدة لكن كل واحد منهـم عـن عشـرة أشـخاص من حيـث الجهد والمبادرة والإخلاص والمحبة . وقد حققنا كل تلـك النجاحـات بفضـل اللـه ثـم بمحبـة الفريـق، ولا أنسـى دعـم المسـؤولين الـذي كان لـه أجمـل الأثر والدعم في تحقيق تلك النجاحات، والتي تجير كلهـا للهيئة الملكية بينبع الصناعية.

متـى تباشـر عملـك اليومـي ؟ وأي الخامـات تجـد أنهـا الأقرب فـي توصيل فكـرة العمل؟

لعلي أكون مبالغاً لو قلت إنني لا أعرف وقتاً محدداً أعمل في مرسمي، لأنني أحيانا أفقد الإحسـاس بالوقـت عندمـا تتملكني الرغبة للعمـل علـى لوحـة أو عمـل فنـي، فالفكـرة لا أصيدهـا ولكنهـا فـي أغلـب الأحيان هي مـن تصطادنـي، فهـي حينها مـن تملكنـي وتملك الوقـت كذلـك، وبالنسبة للخامات فقــد جربــت الكثيــر مــن الخامــات والألــوان حتى وصلت إلى أن فكرة العمل ومضمونه هما ما يحددان نوع الخامة ونوعية الألوان المطلوبة للعمل، ولكن في الغالب وجدت أن ألوان الأكريليك وخامات الورق والمعاجين هي الغالبة على أعمالـي وإن كنت أضيف عليها أحيانا خامات أخرى كالقماش أو الرمل أو الكراتين أو الأخشاب أو المعـادن حسـب الفكرة والمضمون وبما يساعد العمــل ويؤدي المطلوب منه ويخدمه.

هـل تختلـف قيـم العمـل الفنـي مـع فصول السـنة أو نـوع المشاركات ؟

العمـل الفنـي لدي نابع من فكر وإحساس وتراكمات ومخزون .ولا أتذكر أنني عملت أي عمـل بنـاء على مناسبة أو حدث أو فعالية إلا إذا كان لهذا الحــدث تأثيــر قــوي علــي، بصراحة أنا أسـير فكري وإحساسي بشكل كبيـر، وإن كنـت أرى أن بعضهـم يرسـم لكل مناسـبة عمـاً خاصـاً بـه، لا أدري أهـو تمكن من مشاعر أو تمكن في الإحساس أم ماذا.

لكننــي أنــا أدخــل فــي العمــل الفنــي كمــا قلت أسيرا لفكرة تمكنت مني أو إحسـاس احتواني . ومن النادر جدا أن أعمل بناء على مناسـبة أو فعالية أو حدث إلا إذا أثرت في التأثير الذي يأسرني ويحركني.

فــي ظنــك مــا هــي محفــزات الاســتمرار للنشــاط التشــكيلي وهــل الوســط التشكيلي يعاني فعلا من التقليد والاستنساخ ؟

أنا أرى أن المحفز الأول للفنان هو *الاستفزاز* نعـم وهـو الشرارة الأولى لأي حالـة إبداع، استفزاز سلبي أو إيجابي يسـتطيع جـذب وتركيز كل حـواس الفنـان للإبـداع، ولا أرى أن حالة الهدوء والسكينة هي حالة جيدة لأي إبـداع لأن الحـواس فـي حالـة الهـدوء أو السـكينة خاملـة ولا يمكـن أن تظهـر أي إبـداع وهـي فـي تلك الحالة، وهـذه الحالة وأقصد الاستفزاز يجب أن يعيها الفنان لأنها حالــة رائعــة مــن توقــد الذهــن والمشــاعر والإحسـاس تـؤدي إلـى حالـة مـن الجـذب والحضـور يسـتفيد منهـا الفنـان الواعي، أما حـالات التقليد والاستنساخ والتي تكـون فيهـا التوقـد والحضور والإحساس والفكر معطلا فيها، فهي موجودة وإن كانت عند بعـض المتسلقين والمحسوبين، ولكنهم كالفقاعات ما تلبث أن تتلاشى . الغريــب أن الجميع على الساحة يعرفون أولئك الفقاعات ولكن الفقاعات وحدهم لا يعون

أنهـم فقاعات.

هـل تتفـق مـع مـن يتصـور أن هنـاك فاصـلاً نفسيا بين المبدع التشكيلي وبيـن الناقد؟ ولماذا يتصور بعـض الفنانين أن الناقــد يترصد له ليتصيد أخطاءه إن وجــدت ؟

الناقــد هــو الوســيط الأرقــى بيــن الفنــان والعمل الفنـي والمتلقي وأقصد بالناقد هنا الناقد الذي يملك أدواته وفكره وبصره وبصيرته هنـا يكـون هـو الوسيط الأمثل، وقـد يحتاجه الفنـان الأصيـل أكثـر مـن غيره لأني أرى أنه يفتح بابا أو أبوابا أكبر وأوسع وأرقى للعمل والفنان والمتلقي.