حوار : أحوال المعرفة
روحها تشبه أشعة الشمس تتناثر منها الخيوط البيضاء لتزيل العتمة، لا تكتب بل تعزف، فقد حولت الحروف إلى كمان .. حروفها تثير الدهشة، فقد أصبح للخيبات روائح، وتعلمت الطيران خارج الفصول ، وشاحت بوجهها عن الخريف لقسوته، وحاورت الظل الذي لا ينفك عن صاحبه إنها الشاعرة والقاصة الفلسطينية شيخة حسين حليوى. نبارك لها صدور مجموعتها القصصية «سيدات العتمة» و كتابها» خارج الفصول تعلّمت الطيران» وعلمنا منها أنها تعمل حاليا على مجموعة قصصيّة جديدة ورواية.
*ماذا يعني لك الصباح ومتى يسقط ؟
ــ وفي نص ّ آخر قلت «اغتيال الصّباح». الصّباح يأتي دائما لا يختبئ ولا يتأخر. وهو بالنسبة لي فرصة جديدة لترميم أعطاب الرّوح. أعوّل عليه كي أستردّ بعضا من روحي وأرمّم ما أفسدته الحياة منها. وحين يأتي (وهو يأتي دائما) الصّباح يغتاله أو يسقطه شيء ما، أحد ما، كلمة ما، شعور تراكم من الليل وصار جبلا.يسرقه منّي ولا يبقى لي سوى أن أعوّل على صباح آخر قد يسلم من سقوط او اغتيال. في الصّباح أيضا أقرأ ما كتبته ليلا وحين لا أجد نفسي فيه أمحوه. لا أحب ّ نصوصا لست ُ فيها في الصّباح.
*فقط لدى شيخة حسين حليوى تصبح للخيبات رائحة ؟
ــ يبدو لأنّها خيباتي ووحدي من يجعل لها لونا ورائحة وصوتا. بعضها يترك علامة في روحي وبعضها في ثيابي وأغنياتي. الخيبة هي صنيعتي أحيانا، أعرفها جيّدا وأكاد ألمسها. وأعرف رائحتها جيّدا حين تصفعني على جبيني. أستطيع أن أميّز رائحتها من رائحة الانتصار. أعتقد أنّه بلا رائحة. الخيبة تتجاوز عندي الغصّة في الحلق والوخزة في ثنايا الرّوح وتصير رائحة تعلق في أشيائي.
*يتحول الحزن في نصوصك إلى كلب حراسة ( سأربط الحزن على مدخل بيتي خلف الباب ككلب حراسةٍ مشاكس)؟
ــ الحزن يلازمني، فليحرسني ما دام كذلك. ولكنّه كلب، أمين أحيانا، مخلص أحيانا يعتني بي، وهكذا تكون عندي فرصة كي أشتمه براحة دون أن أزعجه فلا ينقلب عليّ. وفرصة أخرى كي أٌدلله كما الكلاب لا أنكر فضله على إنسانيتي.
*لماذا تعلمت الطيران خارج الفصول ؟
ــ ما كنت سأتعلّمه داخل الفصول. الفصول قيود الطبيعة وتسلسل المنطق. الفصول هي الإطار الّذي نُسجن فيه وبالكاد نتنفس. لو رضخت للفصول لما أنبتت أجنحة وقد كان شعار بيئتي «البنت إذا أنبتت جناحا يجب ُ قصّه». كان لا بدّ من التلاعب على الفصول وخرقها حتّى أحتفظ بأجنحتي وأتقن الطيران وأتنفس. ولكنّي اعترف: ما زلت لا أتقنه تماما، وما زالت أجنحتي يسكنها خوف الفصول. أحلّق أحيانا بثقة وأحيانا أسقط ُ على وجهي.
*لله در المرأة الفلسطينية تتحمل الاحتلال وشظف العيش وفقد الأبناء والأحباب؟
ــ.لله درّها فعلا. وإذا سلّمنا أنّ هذا هو قدرها نكون قد ساهمنا في قتلها. هذا ليس قدرها بل هو صنيعة الآخر، المحتل، القوانين المجحفة.قبل أن نطالبها بنسف كل ّ ذلك وقهره فلننظر إلى المجتمع، ماذا قدّم لها؟ ماذا سيقدّم؟ المجتمع كلّه تناقضات! يُراهن على قوّتها في التّحمّل ويعمل على إضعافها. يُطالبها بالتّضحيات ثمّ يتفنّن في وأدها. لله درّها!
*هل من السهولة أن يخاطب الإنسان ظله، وما هي دلالات تلك المخاطبة؟
ــ نعم قد يخاطب ظلّه كي يتيقّن من وجوده، حين تتحسس ذاتك ولا تجدها تخاطب ظلّك وهو الأقرب إلى نفسك. ربّما يُعيد ثقتك بوجودك. الظل ّ لا يسكنه خوفك ولا ضعفك ولهذا قد تجده صورة عن أناك التي تريدها.
*هل يسير الأدب الفلسطيني في ركب الأدب العربي؟
ــ لا أعتقد أنّ الأدب الفلسطينيّ يجب أن يختلف عن الأدب العربيّ. هو أدب إنسانيّ هكذا أراهُ وهكذا أحب ّ أن يكون. لا أنكر خصوصيّة وجوده تحت احتلال ولكنّه يحمل همّ الفرد وأحلامه وتوقه ووجعه. قد أكتب عن كبت وقهر الاحتلال وقد أكتب عن كبت الفصول وقهر التقليد والعادة، قد لا يوافقني البعض ولكن هذا رأيي. الأدب الفلسطينيّ يسير في ركب الأدب العربيّ ويجب أن يسير.
*وكيف تقيمين النتاج الشعري والسردي الفلسطيني ؟
ــ أنا أقل ّ من أن أقيّم النتاج الأدبيّ. صدقا. التقييم أتركه للقارئ والناقد. ولكنّي كقارئة أعرف أنّه أوجد لنفسه مكانا مهما في الأدب العربيّ. شعرا ونثرا وتجديدا أيضا. أسماء كثيرة وصلت إلى العالميّة متجاوزة حدود الوطن العربيّ. هذا يقول الكثير عن الأدب الفلسطيني.
*وهل هناك عوائق خاصة بالنشر الإبداعي في فلسطين ؟
ــ طبعا. وهل النشر العربيّ عموما بخير؟ المبدع العربيّ يعاني الأمرين في سبيل النشر! يدفع من ماله الخاص ّ حتّى ينشر كتابه. يصير بائعا ومسوّقا ومروّجا وهذه أمور تشغله عن الإبداع وتحبطه. أين نحن من النشر وأصوله عند الغرب؟ معظم دور النشر وليست كلّها هي مصالح تجاريّة قبل كل ّ شيء. قلّة من يتعامل مع المبدع بصدق وإخلاص وتقدير.
كل الحقوق محفوظة لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة © 1446-2025