تنبيهات

الدكتور ناصر الحجيلان لمجلة أحوال المعرفة .. يستطيع المثقف أن يُغيِّر في المفاهيم ضمن منظومة قيم المجتمع

الدكتور ناصر الحجيلان لمجلة أحوال المعرفة .. يستطيع المثقف أن يُغيِّر في المفاهيم ضمن منظومة قيم المجتمع

هذا الحوار هو للاستفسار والاستفتاء والاستطلاع.. وله غاية هي إجابة السؤال:

 كيف يمكن إقامة صناعة للثقافة تضيف للتنمية السعودية اقتصادياً بمثل ما تضيف إبداعياً؟

 والضيف هو القائد الرسمي الذي يدير دقة صناعة الثقافة السعودية.. وإن أردنا الحقيقة الواقعية هو مطالب بإقامة الصناعة وإنشائها.. فرغم أن عناصر صناعة الثقافة متوافرة إلا أنه مطالب يلعب دور المنظم والمشرعٍ والمنفذ.. وهذا دور شمولي يربك النتائج غالباً.. خصوصاً وهو يواجه نظام مشتروات حكومي ليس مخصصاً لشراء خدمات الإبداع.. مع هذا فإن الطموحات والآمال كبار في الدكتور ناصر الحجيلان وزملائه قادة المؤسسات الثقافية في المملكة الذين هم الصناع الحقيقيون للثقافة.

من هم صنّاع الثقافة السعودية في رأيكم.. هل هم: المبدعون أم الناشرون أم قادة المؤسسات الثقافية الحكومية؟

 الثقافة في كل مكان في العالم يصنعها المجتمع من خلال منظومة القيم والتقاليد والاعتبارات التي يتفق عليها الأفراد والمجموعات. ويأتي المبدع مُمثّلاً للثقافة (بالمحاكاة أو بالمواجهة)، ويستطيع أن يُشكَّل اتجاهًا معينًا في ثقافته، وهو اتجاه يمكن أن يتطوّر إذا وجد ما يعضده من روافد منطقية منسجمة مع قيم المجتمع ذاته، أما الناشر فهو - في الغالب - مستثمر اقتصادي يتّخذ من إحدى وسائل الثقافة كالكتاب والفيلم سلعة تسويقية، وينجح اقتصاديًا إذا أحسن الاستثمار في العمل الثقافي والفنّي الذي يجذب الجماهير. ويأتي تأثيره في الثقافة في البداية من خلال الاستجابة لحاجة المتلقين، ومن خلال النجاح في التواصل مع الجمهور يستطيع أن يُغيِّر في المفاهيم التي تتحوَّل لكي تكون ضمن منظومة قيم المجتمع. وعليه، فإن التغييرات الجديدة التي تحدثها الفنون مثلاً تدخل ضمن الثقافة وتصبح ممارسة عملية شائعة.

 إلى أين يتّجه المسار الثقافي السعودي حاضرًا؟

 الملاحظ أن هذا المسار يتّجه نحو التكيُّف مع المتغيرات الحديثة التي دخلت في الحياة من خلال التقنية باستثمارها بطريقة خاصة. فنجد على سبيل المثال أن وسائل التواصل الحديثة كالجوال والإنترنت، وهي معطيات جديدة على المجتمع، تركت أثرها الواضح على رؤية المجتمع للحياة من خلال التواصل والعمل، وأفرزت أشكالاً مختلفة من السلوك الثقافي لدى الناس. انظر مثلاً إلى التواصل الاجتماعي بين الناس من خلال رسائل الجوال، ستجد أن لغة التواصل الكتابية صارت عند البعض ثقافة مقبولة وحلّت محلّ الزيارات المباشرة والحديث الشفهي المطوّل. وهذا السلوك ترك أثره على القيم السائدة عند الناس، فصار الاهتمام بالتفاصيل أقل من التركيز على المعلومات الإجمالية، بسبب أن التعامل مع الوقائع والحقائق هو محور النقاش وليس البحث عن المعلومة، فالأشخاص ليسوا فقط هم مصادر معرفية وحيدة بقدر ما أصبحوا شركاء في التحليل والنقاش.

 وهذه نقلة إيجابية في التعامل مع معطيات الحياة التي تتعدد فيها مصادر المعرفة وتتنوع أساليب إدراكها والتعامل معها، مما يعني أن التصوّرات الذهنية مرتبطة بما ينتج عنها من أحكام يفترض أن تغلب عليها سمة النسبية بدلاً من القطعية.

 ما مُعوّقات قيام صناعة الثقافة السعودية في نظركم؟ 

الثقافة بمفهومها الشامل قائمة ومستمرة وليس ثمة ما يُعيقها لأنها تنسجم بشكل طبيعي مع المنظومة التي تُنتجها. أما إن كان المقصود بالثقافة مستوى معيناً من التعليم أو شكلاً معينًا من التعامل قياسًا على ثقافات أخرى، فهنا يلزم تحديد المراد بهذه الثقافة والمعيار الذي نُريد قياسها إليه. وصناعة هذه الثقافة، إذا فهمنا الصناعة بمعنى التكوين، فإنها تعتمد على جانبين: أحدهما تعليمي مباشر تنهض به المدرسة والمنزل، والآخر فنّي ضمني تنهض به وسائل التعبير الفني في الأدب والرسم والمسرح والموسيقى. والمعوقات التي تقف في طريق التعليم الفعّال كثيرة وهناك بحوث ودراسات خاضت في هذا الموضوع الشائك ويمكن الاستفادة من نتائجها لمعالجة أي قصور في الجانب التعليمي. أما الفنون فهي بحاجة إلى عقول مبدعة ذات قدرة خلاّقة لتحفيز الروح الجمالية والعقل المبدع.

 كيف يُمكن لوكالة الشؤون الثقافية أن تخدم قيام صناعة الثقافة؟

 الوكالة دورها يكمن في التركيز على العمل الثقافي المنسجم مع الاعتبارات الاجتماعية. ولهذا، فإننا نُركّز على عناصر محددة في العمل الثقافي يُمكِّنها أن تنهض بما يساعد على نشر الوعي، مثل: تطوير صناعة الكتاب ونشره، خلق الفرص الإبداعية، إشاعة ثقافة الحوار، إيجاد وسائل التبادل الثقافي بين الشعوب والتعرف على تجارب الأمم وخبراتها، تعزيز المنطق في التعامل والحكم، تنمية المواهب، تحفيز القدرات على التواصل الإيجابي.

 بين رعاية المثقف وإنتاج الثقافة.. أين تقع مسؤولية وكالة الثقافة؟ 

إذا كانت الثقافة هي مجموعة قيم تسير وفق أُطر عمل تنطلق أساسًا من الاعتبارات الاجتماعية لأي شعب، فإن المثقف هو عنصر إنتاج للثقافة يكتسب وجوده ثم تأثيره من قدرته على التناغم الاجتماعي. والوكالة ترعى هذه الثقافة وتهتم بالمثقف، وتتوزَّع البرامج الثقافية على هذين المحورين؛ فهناك أنشطة ثقافية عامة مُوجّهة للجميع كالمعارض والمؤتمرات والندوات والمطبوعات، وهناك أنشطة تركز على المثقف (الأديب أو الفنان) للاحتفاء به وبإنتاجه وتكريمه والإعلاء من مكانته.

 ما دور الوكالة من شريحة الشباب في ظل المتغيرات الجارية في الأفكار والتوجهات؟

 تسعى الوكالة إلى تقديم الأنشطة والبرامج الثقافية والفنية التي تهم الشباب، وتحرص على إشراكهم في التخطيط والتنفيذ. والشباب الآن ينهضون بكثير من البرامج والمشروعات الثقافية والفنية، ولهم حضور في المناسبات والأنشطة والفعاليات التي تُنفِّذها هذه الوكالة ضمن البرامج العامّة والبرامج الموجَّهة.

 هذا بالنسبة لما هو منفّذ في الواقع، ولكن ثمة طموح لاستثمار طاقات الشباب وقدراتهم من خلال أنشطة نوعيّة تتّسم بأنها ذات طبيعة جذّابة وذات محتوى مفيد، قد رسمت الوكالة ضمن خططها التطويرية القادمة مجموعة من هذه البرامج المتخصّصة. ومن أبرز ما فيها: تكوين مكتبات متنقلة، ومسارح مفتوحة، وصالات عرض دائمة، ومشاركات فنيّة حيّة مع الجمهور، وأيام ثقافية مستمرة طوال العام.

هل من الممكن أن يكون لوكالة الثقافة دور في حث القائمين على برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث لتوجيه جزء من البرنامج لخدمة الإبداع من تشكيلي أو مسرحي وموسيقي وغيره؟

 هناك تنسيق بين وزارة الثقافة ووزارة التعليم العالي حول اقتراح بعض التخصصات المعنية بالإبداع الأدبي والفني. والوزارة تبتعث الموظفين الراغبين في إكمال دراساتهم العليا في التخصصات التي تهتم بها في مجال المسرح والموسيقى والفنون والفلكلور. وقد وضعت الوزارة خطة لتأسيس «أكاديمية الفنون الجميلة» لتقديم دراسة جامعية في عدد من التخصّصات الفنية في المسرح والفنون الأدائية والفنون التشكيلية والموسيقى والفولكلور، وسيتم التشاور في ذلك مع الجهات ذات العلاقة، ونأمل أن تتحقق هذه الأكاديمية للنهوض بالجانب الدقيق للفنون وتخريج الفنانين من ذوي الكفاءة العلمية في المجالات الفنية المختلفة.

 في منظومة خدمات النشر يأتي «التوزيع» في أسفل القائمة بسبب قلة عدد مقدمي الخدمة وضعف إمكاناتهم.. هل لوكالة الشؤون الثقافية من تدخل لحلّ مشكلة التوزيع؟

 هناك مقترحات عديدة لهذه المشكلة منها فكرة إنشاء شركة متخصصة في نشر الكتب تُؤسسّها الأندية الأدبية بدعم من الوزارة. وهذا المقترح مطروح على الأندية الأدبية للمشاركة فيه إن وجدوا ذلك مجديًا لخدمة المطبوعات التي تُصدرها الأندية وغيرها من الكتب، ولا يزال الموضوع قيد الدراسة لدى الأندية الأدبية.

 هناك انتقادات تُوجّه إلى الجمعية السعودية للثقافة والفنون بأنها تسير بخطوات بطيئة دون تطوير. ما هو تصوّركم لمدى مطابقة هذه الانتقادات للواقع؟

 في البداية، دعني أوضّح لك الرؤية العامة للموضوع، فنحن أمام زاويتي نظر، إحداهما تقوم على النظر إلى حجم بلدنا وحاجة كل منطقة ومدينة ومحافظة وقرية إلى المناشط الثقافية والفنية، وهنا نجد أن الطموح أكبر بكثير مما هو مُنفّذ على أرض الواقع. ولكن إذا نظرنا - من زاوية أخرى - إلى حجم جمعية الثقافة والفنون ومحدودية ميزانيتها التي تغطي أكثر من 16 فرعًا في عدد من مدن المملكة، ووجدنا رقمًا ضعيفًا جدًا من المخصصات المالية؛ سنجد أن الجمعية - في الحقيقة -تقوم بدور كبير في كل مدينة تتواجد فيها.

 وهناك مقترحات لتطوير عمل الجمعية وتوسيع مجالات المشاركة لكي تشمل جميع فئات المجتمع في عدد كبير من المدن. ونأمل أن يتحقق ذلك متى ما وُجدت الميزانية الداعمة للجمعيات.

كيف يُمكن للأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون أن تخدم الثقافة؟

المهمة الأساسية للأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون هي النهوض بالثقافة وخدمتها من خلال الوسائل المناسبة. وقد ركّزت الأندية على الجانب الرسمي من الثقافة المتمثل في الشعر والنثر والنقد وما يتصل بذلك من أنشطة يهتم بها - في الغالب - النخبة من الأساتذة والأدباء والمفكرين. في حين عُنيت الجمعية بالجانب الشعبي للثقافة الذي يركز على مختلف أشكال الحياة اليومية التي تهم الإنسان من فنون وآداب وسلوك، وتُغطّي شريحة كبيرة من المجتمع بما فيهم النخبة. ومع تقاطع الجانبين، فهناك تكامل بين دور النادي والجمعية، فنجد أن الجمعية مثلاً تنفذ أعمالاً مسرحية والنادي كذلك يُقدّم مسرحيات مستعينًا بالجمعية. وهناك تشارك عملي ومكاني بين عدد من الأندية وجمعيات الثقافة والفنون في المملكة.

 في مطلع تعيينكم وكيلاً للشؤون الثقافية ذكرتم أنكم منشغلون بالتعرف على الواقع الثقافي وتشخيص مشاكله وتحديد الفجوات التي تحتاج إلى علاج.. ما هي النتائج التي توصلتم إليها وما هي العقبات التي تواجهكم؟

 أثبت الواقع أن هناك حاجة حقيقية قائمة لأنشطة وبرامج ثقافية ومعرفية كثيرة تتطلبها الحياة ومعطيات النهضة في جميع مناطق المملكة ومدنها وقراها، ولكن ثمة عقبة تتمثل في عدم وجود المخصّصات المالية اللازمة لتنفيذ هذه البرامج والخطط المطلوبة.

 إقامة ورعاية المكتبات العامة في أغلبها جهد تطوعي تخلو من الكثير منه مدن وقرى المملكة. ما هو الدور الممكن لوكالة الثقافة بهذا الخصوص؟

 تشرف الوكالة حاليًا على (84) مكتبة عامة موزّعة على عدد من المدن والمحافظات في المملكة، وهناك أكثر من (30) مكتبة جديدة اكتملت دراسة الاحتياج فيها وخطط العمل ووسائل التشغيل، وسيتم افتتاحها حالما يتم تخصيص ميزانية لدعمها، ونأمل أن يتم ذلك قريبًا. أما المكتبات الخاصة التي يتطوع أصحابها بفتحها للجمهور، فالوزارة لديها الرغبة في تقديم برامج تطويرية لمساعدة هذه المكتبات للقيام بمهامها والتواصل مع الجمهور بالطرق الحديثة بعد أن تُفهرس وتُبوّب المحتويات وتُقدّم معلومات عنها ضمن قواعد المعلومات التصنيفية، لكي يتعرف الباحثون على محتوياتها وربما تكون عونًا للدارسين في الحصول على مصادر نادرة.

 وهناك خطة لدى الوكالة لافتتاح ما يزيد على مائة مكتبة في الرياض تتواجد في الشوارع والأحياء وتقدم برامج تثقيفية نوعيّة للشباب والأطفال والكبار وتُلبّي احتياجاتهم وأنشطتهم المتنامية، ونتمنى أن تساعدنا الظروف لافتتاح أول مكتبة عامة للأطفال بالتعاون مع المهتمين من القطاع الخاص لخدمة الطفل ورعايته فنيًا وعلميًا وسلوكيًا من خلال برامج اللعب والمسرح والفن وتنمية قدرته على الابتكار والإبداع والنقد.

 يرى كثيرون أن هناك تعارضًا بين الثقافة والإعلام.. فما هي وجهة نظر سعادتكم كمثقف وأكاديمي؟ ..وهل ترون ربط الثقافة بالإعلام أم الفصل بينهما؟

 إذا نظرنا إلى الإعلام على أنه وسيلة نقل المادة، وأن الثقافة تحمل هذه المادة، فإن الإعلام والثقافة مكوّنان مترابطان يدعم أحدهما الآخر لأن الإعلام بحاجة إلى مادة ينقلها ويتفاعل معها، والمادة تفقد تأثيرها إذا لم تنتشر بين الناس عبر الوسائط الإعلامية المألوفة عند المجتمع.

 لكن استقلال الثقافة ربما يُعطيها تركيزًا أكثر على اختصاصها ويجعلها تُثمر في الاستفادة من الموارد المتاحة لبناء أُسس متينة وراسخة للمنجزات الحضارية التي تخدم الثقافة.