د لمياء باعشن*
كل محاولاتي لتصور مخطط يضمن تفعيل الدور الثقافي للمرأة السعودية كانت تعيدني للوضع الثقافي القائم وتدعوني لتقييم مكان المرأة السعودية داخله، إذ لا بد من تحديد نقاط الانطلاق، فربما تقودنا دراسة المشهد إلى مكاسب حالية وإنجازات تمت حيازتها تشكل هي حجر الأساس لمرحلة قادمة.
ولكن قبل أن نقوم بفحص مسارات الساحة الثقافية بحثاً عن آثار أقدام المرأة السعودية عليها، علينا أن نتفق على الهدف من الفحص، فالجهد قد يكون في غير محله.
لماذا نبحث عن دور للمرأة أصلا؟ وهل يكون البحث إلا عن شيئ مفقود؟ ألا ينطوي البحث في ذاته على اعتقاد مسبق بأن المرأة ليس لها دور يذكر؟ بل الأسوأ أن السؤال يوحي أيضاً بأن للنساء أدوار وللرجال أدوار أخرى، وحين نتصور أن للمرأة أدواراً مغايرة لأدوار الرجال، ألا تكون هذه المغايرة مجحفة في حق المرأة لأنها حتماً ستسحبنا إلى مقارنة دورها المفقود بالدور الرجالي المشهود؟ وقبل أن نتسرع بالإجابة، سنلاحظ أن لا أحد يسأل أصلاً عن دور الرجل الثقافي، وأن هذا التساؤل لا يُفرد له محور كامل، وأنه ليس هناك باحث واحد يجتهد لتحليله وتقييمه أو ليضع له مخططاً مستقبلياً.
لنقف قليلاً أمام هذه المفارقة العجيبة وتتأمل كيف أنها تبين لنا أن الثقافة بالمطلق هي ميدان الرجل، وأن نشاط المثقفين هو خط السير الأساسي، يمتد بشكل طبيعي ليسيروا فيه بشكل متسق، وتتحرك مشروعاتهم عليه
بانسيابية ويسر. ثم تقبل المرأة لتنضم للمسيرة، فإذا بالتساؤلات تنهال من كل جانب عن الحيثية والكيفية، فنشق لها طريقاً فرعياً يبتعد بها عن المعترك الثقافي القائم ويدفع بها إلى الحواشي لتنشغل بدورها واختلافاته وتحاول أن تضع لنفسها أهدافاً ومشاريع ذات لمسات انثوية تتماشى مع خصوصيتها وطبيعتها. ومن هنا تبدأ عمليات التهميش والإلغاء، فموقع الحدث الأكبر هو الواقع في بؤرة الضوء وعلى الطريق الممهد، وهو المتفرد ليس فقط بالإنارة ولكن بالجدية والأهمية، وله فقط صفة الرسمية وبالتالي الدخول في التدوين التأريخي.
دور الرجل الثقافي!
سيجرنا التساؤل عن (دور المرأة الثقافي) إذاً إلى مواجهة العلاقة بين الأصل والفرع، بين المتن والهامش، فالطريق الثقافي الذكوري هو الأساسي الممهد والرسمي، هو المتقدم وهو الرائد، وعليه فإن دور المرأة الثقافي الجديد سيكون بالطبع، لاحقا للسابق، وتابعاً لإدارة وقيادة الرجال، فبأيديهم الحل والربط بينما تنتظر المرأة التوجيهات الصادرة لتنفذها حرفياً، وإذا بدورها الذي كان حقاً لها، يصبح تفضلاً ممن هم أسبق إلى من يلحق، وممن هم أعلى إلى من هن أدنى.
هنالك شرخ كبير بين ما يقصده هذا المحور الذي يسأل عن دور المرأة الثقافي وبين ما يفتحه من تناقض يتضح حين نقرأه قراءة معاكسة تكشف المضمر الثاوي تحت غطاء النوايا الحسنة. عبارة (دور المرأة) قد تبدو بريئة، بل ونبيلة في أهدافها، لكننا حين نخضعها للقراءة التفكيكية يظهر لنا الموقف الرجعي المضمر المتحيز ضد المرأة. هذه العبارة تتسق مع غيرها من العبارات التي يتم تداولها في الساحة الثقافية كل يوم وكأنها من المسلمات ودون نقاش، وحين نلتفت إليها لنحللها بوصفها مجموعة من العلامات الثقافية نجد تعارضاً دفيناً بين ما تصرح به وما تخفيه.
الرجل نصف المجتمع!
ومن هذه الأمثلة المقولة الشائعة أن (المرأة نصف المجتمع)، وهي جملة حيادية، فهناك من يقولها تأييداً لرأيه ببقاء المرأة في المنزل والاعتناء بأطفالها فقط، وكذلك فهي تتوافق مع من يرى أنها نصف المجتمع وعليها المشاركة في الحياة العامة لهذا المجتمع. لكن أن يتكون نصف المجتمع من النساء، فهذا لا ينفي عنه صفة الذكورية، فالمرأة تبقى نصف المجتمع الذكوري في مجمله والعبارة لا تنصفها بالضرورة. ونستطيع أن نستدل مثلاً على أن المجتمع يعني الرجال، وأن النصف هو الزيادة من جملة يقولها متحمس لحقوق المرأة: ((يحمل الرجال الإجازة من المجتمع لجعل المرأة تظهر بصورة سلبية )). هنا المجتمع هو الرجل الذي أعطى أفراده الذكور رخصة التسلط على المرأة.
ولكن هل هذا التنصيف واقعي ومفيد أم أنه ضار بمصلحة المرأة؟ الحقيقة العددية تقول أن المرأة ليست نصف المجتمع السعودي، بل إن عدد الرجال به يفوق عدد النساء بكثير، وفي حال استئثار الرجل بمثل حظ الأنثيين، فإن النصف الخاص بالمرأة سيكون أقل من ثلث المجتمع فقط! أما المعنى المجازي والذي يهدف إلى تأكيد فكرة تقسيم المجتمع بالنصف بين النساء والرجال، فإنه يكرس قبل ذلك، ودون وعي، لمفهوم الانقسام المجتمعي الذي يصور وضعاً انشطارياً يتسم بالخصام والتنازع.
ويستدعي التنصيف صورة الكأس النصف ممتلئ والنصف فارغ، ولن نفكر كثيراً لنعرف أن الفراغ سيكون من نصيب المرأة المحتجزة في نصفها المأزوم تعاني من تبعات العزلة والانفصال. تقسيم المجتمع بين قسم حقيقي وقسم ظلالي يحول المرأة إلى كائن نصفي، ذلك النصف الحلو الذي له نصف حضور ونصف عطاء، وبدلاً من تأسيس علاقة شراكة صحية بين المرأة والرجل قوامها الانتفاع المتبادل، فإن عبارة نصف المجتمع تفصل بين قطبيهما كخصمين متنافسين يتصارعان على تحصيص الملكية المجتمعية. هذه الثنائية الحادة بين الرجال والنساء تهدد الانسانية الكاملة لكليهما، كما تقسم المجتمع إلى نصفين، في حين أن المجتمع هو على أرض الواقع كتلة واحدة يحييها ويعمرها رجل وامرأة سويا.
قضية وملف الرجل!
ومن المتداول الشائع عبارة (ملف المرأة أو قضية المرأة)، وهي عبارة كاشفة عن مضمر نسقي مضلل، وسواء فهمنا منها أن للمرأة قضية أو أن المرأة قضية فإن الإساءة واضحة في كليهما. معنى أن يكون للمرأة قضية هو إدعاء باطل بأن اهتمام المرأة منحصر في قضية واحدة، وأن تدخلها في كافة قضايا الرأي العام والمصالح الوطنية هو إقحام ليس له داع، وكأنها غير معنية بتنمية وتطوير المجتمع الذي تعيش فيه، أو أنها لا تهتم بشئ خارج بيتها وشئون أسرتها. ومن هنا يأتي الميل، حين تدخل المرأة إلى الفضاء العام، إلى رفض دخولها كونه غير ملح ولا حاجة له، أو إلى تخصيص مسائل محددة تدلو فيها بدلوها، فتسند إليها القضايا التي تمس المرأة والأسرة فهي خير مستشارة في شئون بنات جنسها.. فقط!
أما إن كان المعنى المستقى من عبارة (قضية المرأة) أنها هي في ذاتها قضية واحدة من قضايا المجتمع الذكوري، ففي ذلك تقليل من شأن المرأة وتقليص حتى للمساحة النصفية التي احتلتها في مقولة أنها نصف المجتمع إلى أقل من العشر.
حين تكون المرأة قضية المجتمع فإن وجودها يطرح بوصفها إشكالية استعصت على الحلول، وهذه حتماً ترسبات المنظومة المفاهيمية التقليدية التي تعتبر المرأة موضوعاً طارئاً وليس ذاتاً مستقلة، وتتعامل معها كقضية اجتماعية وليس ككيان إنساني.
العنصر الرجالي!
أما مقولة (العنصر النسائي) فهي تعلن أن تواجد المرأة مكملاً للمعادلة الثقافية، لكن ما تخفيه هو تصغير تواجدها إلى نسبة الواحد إلى عشرة، بمعنى أن حضور العنصر النسائي يقابله دائماً حضور عناصر رجالية، وهي قسمة تستدعي المساحة المخصصة للنساء في صحن الطواف بالحرم المكي، رقعة سوداء منكمشة في وسط البياض المزدحم، عنصر ضمن عناصر. إن هذه المقولة تساهم في تعميق النظرة الدونية التي تحيل النساء إلى قيمة أقل، وتنطوي على تهميش غير واع بقيمة التأنيث. وإن حضرت امرأة واحدة أو جمع غفير من النساء إلى أي محفل ثقافي، فإن التغطية الصحفية تظل تصرح بأن حضور العنصر النسائي كان ملحوظاً، دون تعليق على الحضور من الرجال، فهو المعطى الثابت بكل عناصره المتعددة.
وتبدو آثار هذه المعادلة، واحد إلى عشرة، واضحة في انضمام المرأة التدريجي إلى ساحات العمل الثقافي والمجتمعي، فمعظم اللجان المدمجة يتم تشكيلها على هذا الأساس/ إمرأة وتسعة من الرجال، فللعنصر النسائي عشر فقط، هكذا كان الوضع في تشكيل الجمعيات التابعة لجميعة الثقافة والفنون، وفي كثير من اللجان والأنشطة الثقافية التي تـُستدخل إليها المرأة بشكل طرفي ومن باب ذر الرماد. بل إن حضور العنصر النسائي يأتي على شكل إلحاقي في معظم الأحيان، فبعد الانتهاء من تشكيل اللجان وبدء العمل تتنبه العناصر الرجالية إلى غياب العنصر النسائي، فيستدركون الأمر ويضيفونه على تعجل للمعادلة التي بدأت تفاعلاتها في غيابه.
معادلة واحد إلى عشرة في مقولة العنصر النسائي هي معادلة عشوائية تقلل من قيمة المرأة، كما أنها تعيق من فرص مساهمتها ومن تعميق خبرتها وتجاربها الحياتية والثقافية، فالعنصر الواحد والأوحد داخل التشكيلة الرجالية يتم اختياره دون تمحيص ولا انتقائية، فليست الفاعلية هي الهدف بقدر الإضافة المتعجلة، ثم تبدأ سلسلة التهميش والإهمال والاستبعاد لهذا العنصر المستصغر، وتظل المرأة تعاني من الضعف الخبروي والتجاربي، وهي تقبع في رواق بعيد كضيف شرف ثقيل، كعنصر إضافي، كما يقول الغزالي داخل تحت حكم المضاف إلى الناس.
التمثيل الرجالي!
ويصل بنا فحص المقولات الرائجة في الساحة الثقافية إلى مقولة ذات مستويات دفينة تتلاعب بالمقصود السطحي المسالم، وهي (التمثيل النسائي) التي يبدو أنها تصف وضع المرأة داخل المنظومة الرجالية كممثلة عن غيرها من النساء الغائبات، لكن مكامن الخلل تظهر سريعاً في الأداء المناط بدور تلك الممثلة، فبدلاً من التحدث إلى الرجال عن المرأة ومطالبها، نجدها وبقدرة قادر قد تحولت إلى ممثلة للرجل الغائب عند جموع النساء، فهي تحمل رسالته إلى الأماكن التي لا يستطيع الرجل التواجد فيها، فهو في الحقيقة بحاجة لمتحدثة باسمه وحاملة لرسالته ومنفذة لأوامره عند النساء.
التمثيل النسائي مقولة إنتقاصية معناها المخبوء هو أن تمثل المرأة دور الرجل في المواقع النسائية فتكون عينه التي يرى بها ويداه التي يتحكم بها في شئون النساء في مواقعهم المنعزلة، ولهذا التمثيل مسميات عديدة نستبشر بها بداية، ثم نكتشف تدريجياً أننا معشر النساء قد وقعنا في فخ التبعية والإنابة، وأننا لسنا سوى حلقات وصل بين غرفة العمليات وغرف التنفيذ، سواء كنا نائبات أو وكيلات أو مستشارات أو مشرفات أو مديرات فروع نسائية أو رئيسات لجان نسائية. وصاية الرجل عن بعد لا تتم إلا بتعيين امرأة يختار لها منصباً شكلياً لا يتعدى كونها موظفة استقبال تقف أمام غيرها من النساء لتبلغهن بقرارات استلمتها ولتحمل معاملاتهن إلى الرجل الذي تمثله، والذي له الغلبة الإدارية على كل الشئون النسوية.
طبيعة الرجل!
أما مقولة (طبيعة المرأة) فهي العلامة الثقافية للأمة بامتياز لأنها راسخة في الموروث الثقافي ومضمرها مخباً في المنظومات القيمية في التفكير العربي. وعلى السطح تظهر المقولة وكأنها تتعاطف مع حال المرأة وتتحرج من تكليفها بما لا تطيقه طبيعتها الضعيفة والرقيقة، فكأن من الرأفة بها أن تمنح رخصة الامتناع عن المشاركة في الحياة المجتمعية العامة . لكننا نكتشف أن القابع تحت السطح هو المنع وليس رخصة الامتناع، وأن ما أشيع عن المرأة جراء ضعفها ورقتها هو ديمومة قصورها ونقصانها وبالتالي ديمومة إقصاءها وتهميشها.
وتعيب الثقافة السائدة على المرأة عاطفتها الزائدة على الرجل، فتقلل من شأنها في تناغم مع طبيعتها التي جبلت عليها، أي أن تغير هذه الطبيعة غير وارد وكذلك إمكانية نمو العقل وتطوره عندها. تحاصر هذه المقولة كل النساء بصفاتهن البيولوجية كعائق لتقدمها واستقلالها عن سلطة الرجل الممتلك للعقل حصرياً، فالمقولة تحمل النواهي التي تحد من اختياراتها التي لا تخرج عن التلقي والامتثال .وفي بحثها عن الأماكن الشحيحة التي تتناسب مع أنوثتها وضعفها وصفاتها وخصوصية نقصها تجد المرأة نفسها محتجزة في أدوار هامشية تخنق إمكاناتها ومواهبها التي خصها بها الخالق العظيم، فكثير من النساء من الله عليهن برجاحة العقل وسداد الرأي والكفاءة كما من على الكثير من الرجال، لكن قناعات المجتمع قيدتهن بفرض تقمص طبيعة نمطية تخالف ما جبلهن الله عليه، طبيعة تصورها الرجل وقولب فيها المرأة قسراً: جسد بلا عقل، وقلب بلا روح.
تلخّص المقولات السابقة وتحليلاتها الوضع الاجتماعي والثقافي، الصريح والكامن، للنساء السعوديات، لكن التغيير يحدث من حولنا كل يوم فبقاء الحال من المحال، والمرحلة القادمة ستكون مشبعة بالمنعطفات المفصلية في تاريخهن، لذا فإن من المنتظر من المؤسسة الثقافية المتمثلة في وزارة الثقافة والاعلام أن تواكب تلك التغييرات وتقوم بمنح الطاقات النسائية تواجدها الفعلي والملائم وذلك بالسماح لهن بالدخول في منطقة المسئولية على المستوى الرسمي. وهنا لا بد من مراجعة الوضع الثقافي للمرأة السعودية داخل المؤسسة الرسمية ونتلمس مدى تواجدها وفاعليتها.
ما الذي قدمته الوزارة لتفعيل دور المرأة على مدى السنوات التي مرت على إنشائها؟
لا أحد ينكر أن الوزارة تحرص على خلق موضع قدم للمرأة في مناشطها المختلفة، فهي قد أعطت منابرها لأصوات النساء (التي تحملها المكروفونات من القاعات إلى صالات الحدث الأساس) كشاعرات وقاصات ومفكرات وناقدات، فلا تكاد تخلو فعالية من فعالياتها من مشاركات نسائية، وإن كان الحرص محكوماً بمعيار حضور العنصر النسائي والمضاف بشكل إلحاقي حسب معادلة واحد إلى عشرة. وصحيح أن المرأة كانت دائماً منتجة للفعل الثقافي قبل تشكيل الوزارة، فهي سباقة في تحريكها لديناميكية الفن والأدب دون رعاية وزارية، لكن الحقيقة أن دخولها المنظومة الرسمية ووقوفها موقف الند مع المثقف في حضورها المنبري، وإن عن بعد، لم يتم إلا بجهود وزارة الثقافة.
لكن التقييم لن يكون في صالح الوزارة حين ننظر إلى طريقة تعاملها مع المرأة على صعيد التمكين الإداري وصناعة القرار ورسم الخطط وتحديد التوجهات. وبعيداً عن القرار الأخير الذي فتح الباب للنساء بدخول انتخابات مجالس إدارة الأندية الأدبية والانضمام إليها كعضوات، فإن الوزارة ظلت متجاهلة مهمتها، وهي صانعة للثقافة، في خلق وعي مغاير بحقوق المرأة وقائم على النظرة الإنسانية البحتة لها. وإلى جانب انتخاب النساء في جمعيات الثقافة والفنون بنسبة واحد إلى عشرة والتي انتهت بتهميش العنصر النسائي العاشر والإضافي، فإن الوزارة لم تسند إلى النساء أي دور إداري أو تخطيطي أو تنظيمي.
والحقيقة أن الوزارة لم توظف امرأة واحدة في أي من مناصب إدارة وكالة الثقافة منذ إنشائها وحتى اليوم. أما في الأندية الأدبية فقد كان حضور النساء مقتصراً على اللجان النسائية (الرديفة) كما وصفتها الوزارة آنذاك، دون مراعاة لشعورهن ولا حرج، فكن كما ارتأت الوزارة تابعات المجلس الإدارة الرجالي، بلا صفة رسمية ولا تعيين بقرار.
وعلى هذا يترتب أن أقدم خطتي الإجرائية لمستقبل أفضل للمرأة السعودية في المحيط الثقافي ليس بها سوى مطلبين محددين، يمكن تحقيقهما سوياً في المدى القريب جداً:
الأول: رغم ما تحقق للمرأة من حضور ثقافي لافت في الأنشطة والملتقيات، إلا أن وضع المرأة داخل الوزارة لا يعكس تقدير الحكومة الرشيدة لكمال أهلية المرأة والثقة في قدراتها ورجاحة عقلها. وعليه فإن أول خطوة يتعين على الوزارة اتخاذها هي تمكين المرأة من عملية اتخاذ القرار لتخرج من دوائر التبعية الخانقة وتنخرط في شراكة حقيقية داخل وزارة الثقافة مع صنوها الرجل، وذلك بمنح صلاحيات متساوية لكلا الطرفين دون تقسيم عنصري ووصاية مفروضة.
الثاني: رغم نبل الهدف الذي دفع أعضاء اللجنة الاستشارية المؤتمر المثقفين الأول والحالي، ألا وهو إشراك المرأة في رسم التصورات المستقبلية لحراكها الثقافي من خلال هذا المحور، إلا أنني أطالب بإلغاء (محور دور المرأة الثقافي) من المؤتمرات القادمة.
هذا التساؤل في طبيعته ينطلق من ويتماشى مع تلك المضمرات التي تمررها المقولات الهاضمة لحقوق النساء، وفصل شأن المرأة الثقافي في محور خاص يتماشى مع المناخ الثقافي الذي أنتج تلك المقولات.
للمرأة محور من أحد عشر، وتلك هي المعادلة العشرية تتكرر هنا، ويدل عدم تخصيص محور عن دور الرجل الثقافي على أنه ممتلك للمحاور المتبقية، ثم إن تخصيص محور للمرأة يكرس فكرة عزلها عن باقي المواضيع وكأنها خارج اهتماماتها. والمرأة في هذا المحور موضوع نقاش كما المسرح في محوره، والمرأة ليست موضوعاً يطرح للبحث كما هو حال صناعة الكتاب والفن التشكيلي والفنون الأدائية وغيرها من محاور هذا الملتقى، بل هي كيان ثقافي مستقل لها اهتماماتها المسرحية والفنية والقرائية.
والأخطر من ذلك أن هذا التخصيص المدسوس والذي تحركه المقاصد التقليدية المضمرة يرسخ وضعاً تقليدياً يصور المرأة كطارئ متطفل على الوضع الثقافي يستوجب التوقف عنده وتوقيفه حتى نجد له حلاً ونخط له درباً. في محورها المستقل الذي يطرحها كموضوع كما يطرح ثقافة الطفل موضوعاًً، نتلمس استمرارية التقسيم التقليدي بين الرجل صاحب المشروع الثقافي المتأصل والمتطور، والمرأة القادمة إلحاقاً وبإشكاليات تتطلب التفكير في دور لها ومشروع يتناسب مع طبيعتها.
لقد أخذنا كفايتنا وزيادة من تحديد المسارات النسائية وتحجيم الخيارات وتخطيط الاتجاهات التي تستبعد المرأة وتنعرج بها عن خط الانخراط في العمل الوطني، ففي ظل كل هذه الاستعدادات الطارئة تبدو المرأة كعبء على المؤسسة الثقافية تحتار في التعامل معه فتجمع الباحثين مؤتمراً بعد مؤتمر ليعينوها في إيجاد مخارج عملية من تورطها مع المرأة، في حين أن المسألة في غاية البساطة ولا تحتمل التفكير. كل ما في الأمر أن المرأة المثقفة تريد المشاركة مع المثقفين في ديناميكية العمل الثقافي الوطني، وتطمع في دعم رسمي من المؤسسة الثقافية كونها مواطنة سعودية ذات أهلية ولها كامل الحق وعليها كامل الواجبات، المرأة المثقفة لا تروم سوى اعترافاً بمواطنتها وبإنسانيتها يتيح لها أن تنضم كإنسانة جديرة بالاحترام والثقة إلى ذات المسيرة الثقافية الأساسية وعلى ذات الطريق الممهد والمضاء، لتسير فيه بشكل متسق، وتشارك بانسيابية ويسر في ذات المشروعات الثقافية.
* ناقدة وأستاذة جامعية.
أصل هذه المقالة بحث قدم للملتقى الثاني للمثقفين السعوديين ديسمبر 2012م .
كل الحقوق محفوظة لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة © 1446-2025