تنبيهات

الروبوتات.. تهدد وظائف البشر

الروبوتات.. تهدد وظائف البشر

بقلم/ حسني عبدالحافظ 


في تقرير صدر عن البنك الدولي، ورد أن عدد كبير من وظائف البشر، ربما يختفي خلال العقد القادم، لصالح الروبوتات، وكان تقرير بريطاني قد حذر من اختفاء 10 ملايين وظيفة، في غضون الأعوام القليلة القادمة، أي ما يعادل نحو %37 من إجمالي الوظائف في بريطانيا، وفي اليابان بدأت كثير من الشركات، وضع خطط مستقبلية، لتسريح العمالة البشرية، وإحلال الروبوتات في وظائف بعينها، وكانت إحدى شركات التأمين قد قامت مؤخرا بتسريح عشرات من عمالتها البشرية، لصالح أنظمة الذكاء الصناعي، وبحسب مسئولين بالشركة، فإن هذه الأنظمة الروبوتية من شأنها زيادة الإنتاجية، ورفع نِسبة العوائد.

وتشير الأرقام إلى أن العام 2015م، شهد زيادة غير مسبوقة في عدد الروبوتات الصناعية العاملة في جميع أنحاء العالم، بواقع 1.6 مليون روبوت، ومن المتوقع بحلول العام القادم (2020 م)، إضافة أكثر من مليون ونصف المليون وحدة روبوت جديدة، وتعد الصين صاحبة النصيب الأكبر لمبيعات الروبوتات، بنحو 27 % من إجمالي مبيعات الروبوتات على مستوى العالم، تليها دول الاتحاد الأوروبي بنحو 20 %، ويشير تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للربوتات (IFR) إلى أن أكثر نحو 75 % من إجمالي هذه الروبوتات، تستخدم في خمس دول فقط، هي: الصين، وكوريا الجنوبية، واليابان، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وأن نِسبة لا تقل عن 65 % من الروبوتات، تعمل في مجالات صناعة السيارات والصناعات الكهربائية والإلكترونية وصناعة المعادن والآلات، وأن المتوسط العالمي لكثافة استخدام الروبوتات في أسواق العمل حاليـًا، وصل إلى 69 روبوتـًا لكُل 10 موظفين، في قطاع الصناعات التحويلية.

وفي تقريرها الصادر يوليو 2016م، أشارت مؤسسة ماكنزي Mckinsey Global Institute، إلى أن فريقـًا بحثيـًا، م ُ كلَّفـًا من قبل مجلس إدارتها، قام بتحليل أكثر من 800 مهنة في سوق العمل الأمريكي، فتبين أن ثمة مهن بعينها هي الأكثر تفضيلا ً للأتمتة واستخدام الروبوتات، عوضـًا عن العمالة البشرية، وهي قطاعات صناعة الآلات والمعدات المختلفة بنسبة 59 %، والخدمات الغذائية بنسبة 73 %، وتجارة التجزئة بنسبة 53 %، أما الأعمال التي مازالت إلى حد كبير بعيدة عن الأتمتة واستخدام الروبوتات، فكانت معظمها أعمال متعلِّقة بإدارة وتطوير الموارد البشرية، حيث لم تتجاوز نِسبة الأتمتة فيها الـ 9 %، وكذا الأعمال والمهن التي تستلزم تطبيق الخبرات في صنع القرار والتخطيط والعمل الإبداعي.

وعلى مستوى الشركات، فإن أكبر عملية إحلال للأتمتة والعمالة الروبوتية، مكان العمالة البشرية، قامت بها شركة Foxconn، وهي من كُبريات الشركات العالمية في مجال الإلكترونيات، حيث قلصت في أواخر عام 2016 م حجم العمالة فيها، بالاستغناء عن 60 ألف عامل، لتحل الروبوتات ونظم الأتمتة الحديثة محلهم، في أداء الأعمال والمهام الروتينية المتكررة.

نماذج حديثة

ومن منظور الخدمة التي تؤديها، فإن الروبوتات تصنف إلى فئتين رئيسيتين:

الفئة الأولى: وتشمل الروبوتات التي تستطيع القيام بالأعمال على نحو أكثر دقة، ومن دون عناء، وتحقق إنتاجية أكبر. 

الفئة الثانية: وتشمل الروبوتات التي تستطيع القيام بالأعمال الخطرة، والتي يصعب على العامل البشري القيام بها.

وفي مجال صناعة السيارات، صارت الروبوتات مألوفة بشكل كبير منذ ثلاثة عقود مضت، حيث تعول مصانع السيارات الكُبرى على الروبوتات المتقدمة، التي تعمل وفق منظومة تصنيعية آلية، تعادل إنتاجية الروبوت الواحد فيها، إنتاجية ما يقوم به أكثر من 30 عامل بشري، حيث يتم لحم قطع السيارة، وطلائها، وتجميعها، لتصل إلى شكلها النهائي، بعد مرورها على مجموعة من الروبوتات، دون تدخل يذكر من البشر.

وفي صناعة التغليف، صارت الروبوتات جزءا رئيسا في منظومة العمل، حيث تقوم بتغليف وتعبئة البضائع، بل وتحميلها وتفريغها.. واستحوذت كذلك على نصيب كبير في صناعة الإلكترونيات، حيث صار يعول عليها في تصميم وصناعة الدارات الإلكترونية المطبوعة، ويمكنها صناعة مئات من القطع والمكونات الإلكترونية، في وقت قياسي، بدقة وموثوقية.

وقد شهدت الآونة الأخيرة، ظهور العديد من نماذج الروبوتات، التي تقوم بأعمال ومهام لم يكن لها سابق عهد بها، ولنضرب الأمثال:

الروبوت المقاتل: ظهر منه عشرات الطرز، منها الطراز الذي أنتجته مؤسسة “بوسطن ديناميكس” المعنية بتطوير وصناعة الروبوتات، ويطلق عليه” الروبوت أطلس”، ومن أبرز خصائصه وسماته، ارتفاعه الذي يصل إلى نحو مترين، ووزنه الذي يصل إلى نحو 75 كيلو جرام، وهو من الذكاء الصنعي بحيث يستطيع القفز للأمام، والتراجع إلى الخلف بكل سهولة، مع الحفاظ على توازنه، إذا تم دفعه أو صدمه، كما ي ُ مكنه النهوض مر َّ ة أُخرى، في حال سقوطه، وهو مزود بأجهزة استشعار، تعطيه القدرة على التعامل مع الكائنات في بيئتها، ويمكنه السير في أرض ذات تضاريس متباينة، واستعمال الأسلحة، والتصويب نحو أهداف محددة، وإجراء عمليات الاستطلاع والتجسس.

الروبوت صوفيا: وهو من إنتاج مؤسسة “هدسن” لصناعة الروبوتات، ويتميز بقدرته على تفسير المشاعر، وتعقب ملامح الوجه، وإدراك معانيها، مع إمكانية التحاور مع البشر. وهو أول روبوت في العالم يمنح جنسية دولة، مثله مثل البشر، حيث منحته المملكة العربية السعودية جنسيتها، وذلك على هامش فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي”مبادرة مستقبل الاستثمار”.

الروبوتة سالي: تم تطويرها من ق ِ بل مؤسسة تشوبونيكس، ومقرها في كاليفورنيا، هذه الروبوتة متخصصة بإعداد الطعام وتقديمه، وهي تنعت بأنها “ أفضل روبوتة تقوم بإعداد السلطات المختلفة، ولديها القدرة على التمييز بين أكثر من 20 مكونـًا مختلفـًا من الطعام، مع تقديم معلومات عن عدد السعرات الحرارية الدقيقة بالمكونات، وهى قادرة على تجهيز غير نوع من السلطات في أقل من دقيقة، وصارت تستخدم من قبل بعض الفنادق الكُبرى ومحلات تحضير الوجبات الجاهزة.

روبوتات الأسراب: وفكرتها مستوحاة من مستعمرات الحشرات، كالنمل والنحل، حيث نجح الباحثون بتصميم الآلاف من الروبوتات الصغيرة، ذات السلوك المتشابه، والتي يمكنها التعاون مع بعضها البعض لأداء وظائف يصعب على البشر القيام بها، مثل التنظيف داخل الأنفاق والأنابيب، وكذا القيام بأعمال التجسس والمهام الاستكشافية في الفضاء، وأيضـًا مهام الحراسة..وأحدث ما أُنت ِ ج من هذه الأسراب، كان من قبل مؤسسة إس.أر.آي للروبوتات المتحركة (SRI/Mobile Robots Centi Bots Project)، وذلك في إطار مشروعها لتطوير الروبوتات الميكروسكوبية.

وما هذه النماذج التي ذكرناها، سوى غيض من فيض، طوفان قادم للروبوتات، التي يتصاعد ذكاؤها بشكل مستمر، بحيث تستطيع القيام بمختلف الأعمال والوظائف.

لماذا هذا الإقبال على الروبوتات..؟

لقد باتت بعض الشركات والمؤسسات الصناعية العالمية، مثل فولكس واغن، وكيفا، وأمازون وغيرها، تعتمد اعتماد ً ا ش ِ به تام على الروبوتات في تشغيل وإدارة مصانعها ومخازنها، وبحسب غير واحد من خبراء الاقتصاد، فإن ثمة اتجاها متصاعدا لاستقطاب مزيد من الروبوتات ذات الذكاء الصنعي المتقدم، من قبل الشركات والمؤسسات العاملة في مجالات مختلف، وذلك لما لهذه الروبوتات من مزايا وفوائد، ومنها:

  • قادرة على إنتاج أضعاف ما ينتجه العامل البشري.

  • ليست بحاجة إلى استراحة، ولا تتذمر من كثرة ساعات العمل.

  • لا تطالب بحقوق م ُ لزِمة للشركات والمؤسسات.

  • تزيد من الأرباح بشكل كبير. 

  • المرونة والسهولة في البرمجة. 

  • لديها القدرة على القيام بأعمال شديدة الخطورة، لا مقدرة للعنصر البشري على تحملها.

يقول السيد أندرو بيرغ، نائب مدير معهد تنمية القدرات، التابع لصندوق النقد الدولي، “ مع زيادة  رصيد الروبوتات، يزداد بالتالي العائد المادي، فالمخازن تصبح أكثر نفعـًا، عندما تسند مهمة تخزين السلع على الأرفف للروبوتات، ومن ثم ترتفع مستويات الاستثمار التقليدي في نهاية المطاف، ومن غير المتوق َّ ع أن تقوم الروبوتات بالاستهلاك، فهي تنتج فقط، بالتالي يزداد حجم الناتج الذي يمكن تقاسمه”.

خطر على وظائف البشر

وبرغم ما تقدمه الروبوتات من خدمات، في جل المجالات، إلا َّ أن تزايد الإقبال عليها، وطرد ملايين البشر من وظائفهم لصالحها، يمثل تهديدا خطرا لمستقبل العمالة البشرية، وإحداث فجوة رهيبة في توزيع رأس المال، حيث إن الزيادات من عوائد الإنتاج، لن يكون للجميع نصيب منها، وإنما ستذهب فقط إلى من يمتلكون هذه الروبوتات، ويسخرونها في أعمالهم، يقول د. إدوارد يافي، أستاذ الاقتصاد بجامعة إنديانا بلومينغتون “من المثير للقلق أن نصيب العمالة من الدخل، في الولايات المتحدة الأمريكية، يتناقص منذ مطلع الألفية الجديدة، وذلك عقب عقود من الاستقرار.. ولقد تفاقمت حالة عدم المساواة، حيث صار الجزء الأكبر من العائد الاقتصادي، في أيدي نِسبة صغيرة للغاية من السكَّان، إن الروبوتات لا تعود بالربح إلا َّ على مالكي رأس المال، إلى جانب بعض الزيادات، في متوسط نصيب الدخول للعمالة الماهرة، والتي مازالت الروبوتات غير قادرة أن تحل محلَّها بسهولة، ويظل الباقون يحصلون على أجور منخفضة ونصيب متناقص من الكعكة”.

وكانت دراسة حديثة، قام بها فريق بحثي من جامعة أكسفورد البريطانية، حول “ مستقبل أسواق الوظائف، والعمل في ظل التطورات التكنولوجية”، قد أشارت إلى أن نِصف الوظائف الحالية صارت مهددة بالانتقال من البشر إلى الروبوتات، وذلك خلال فترة لن تتجاوز العقدين من الآن، وأن الوظائف في مجالات النقل والخدمات اللوجستية، هي من أكثر الوظائف التي تتسارع إليها الروبوتات، تأتي بعدها الوظائف الإدارية والمكتبية البسيطة، وأن المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وكثير من البلدان الأوروبية، إضافة إلى اليابان والصين، هي أكثر بلدان العالم التي يواجه سوق الوظائف بها هجومـًا كبيرا من الروبوتات..